تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٨
المولود، وأما بعد تمامهما فمن دعا إلى الفصل فله ذلك إلا أن يلحق المولود بذلك ضرر، وعلى هذين القولين يكون ذلك توسعة بعد التحديد.
وقال ابن بحر: الفصال أن يفصل كل واحد منهما القول مع صاحبه بتسليم الولد إلى أحدهما، وذلك بعد التراضي والتشاور لئلا يقدم أحد الوالدين على ما يضر بالولد، فنبه تعالى على أن ما كان متهم العاقبة لا يقدم عليه إلا بعد اجتماع الآراء.
وقرئ: فإن أرادا، ويتعلق عن تراض، بمحذوف لأنه في موضع الصفة لقوله: فصالا، أي: فصالا كائنا، وقدره الزمخشري صادرا. و: عن، للمجاوزة مجازا، لأن ذلك معنى من المعاني لا جرم، وتراض وزنه تفاعل، وعرض فيه ما عرض في أظب جمع: ظبي، إذ أصله أظبي على: أفعل، فتنقلب الياء واوا الضمة ما قبلها، ثم إنه لا يوجد في لسان العرب اسم آخروه واو قبلها ضمة لغير الجمع، وأنه متى أدى إلى ذلك التصريف قلبت الواو ياء، وحولت الضمة كسرة، وكذلك فعل في تراض. وتفاعل هنا في تراض، وتشاور على الأكثر من معانيه من كونه واقعا من اثنين، وأخر التشاور لأنه به يظهر صلاح الأمور والآراء وفسادها، و: منهما، في موضع الصفة لتراض، فيتعلق بمحذوف، وهو مراد بعد قوله: وتشاور، أي: منهما، ويحتمل في تشاور أن يكون أحدهما شاور الآخر، أو يكون أحدهما شاور غير الآخر لتجتمع الآراء على المصلحة في ذلك. * (فلا جناح عليهما) * هذا جواب الشرط، وقبل هذا الجواب جملة محذوفة بها يصح المعنى، التقدير: ففصلاه، أو ففعلا ذلك، والمعنى: فلا جناح عليهما في الفصال.
* (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له) * الخطاب للآباء والأمهات وفيه التفات، إذ هو خروج من غيبة إلى خطاب، وتلوين في الضمير، لأن قبله * (فإن أرادا فصالا) * بضمير التثنية، وكأنه رجوع إلى قوله: والوالدات، وعلى المولود له.
و: استرضع، فيه خلاف، هل يتعدى إلى مفعولين بنفسه، أو إلى مفعولين الثاني بحرف جر، قولان.
فالأول: قول الزمخشري، قال: استرضع منقول من أرضع، يقال: أرضعت المرأة الصبي، واسترضعها الصبي، فتعديه إلى مفعولين، كما تقول: أنجح الحاجة، واستنجحته الحاجة. والمعنى: أن تسترضعوا المراضع أولادكم، فحذف أحد المفعولين للاستغناء عنه، كما تقول: استنجحت الحاجة، ولا تذكر من استنجحته، وكذلك حكم كل مفعولين لم يكن أحدهما عبارة عن الأول. إنتهى كلامه. وهو نقل من نقل، الأصل رضع الولد، ثم تقول: أرضعت المرأة الولد، ثم تقول استرضعت المرأة الولد، واستفعل هنا للطلب أي: طلبت من المرأة إرضاع الولد، كما تقول استسقيت زيدا الماء، واستطعمت عمرا الخبز، أي: طلبت منه أن يسقيني وأن يطعمني، فكما أن الخبز والماء منصوبان وليسا على إسقاط الخافض، كذلك: أولادكم، منصوب لا على إسقاط الخافض.
والثاني: قول الجمهور، وهو أن يتعدى إلى اثنين، الثاني بحرف جر، وحذف من قوله: أولادكم، والتقدير: لأولادكم، وقد جاء استفعل أيضا للطلب معدى بحرف الجر في الثاني، وإن كان في: أفعل، معدى إلى اثنين. تقول: أفهمني زيد المسألة، واستفهمت زيدا عن المسألة، فلم يجيء: استطعمت، ويصير نظير: استغفرت الله من الذنب، ويجوز حذف: من، فتقول: الذنب، وليس في قولهم: كان فلان مسترضعا في بني فلان دليل على أنه مفعول بنفسه، أو بحرف جر.
* (فلا جناح عليكم) * هذا جواب الشرط، وقبله جملة حذفت لفهم المعنى، التقدير: فاسترضعتم أو فعلتم ذلك فلا جناح عليكم في الاسترضاع * (إذا سلمتم) * ما آتيتم، هذا خطاب للرجال خاصة، وهو من تلوين الخطاب. وقيل: هو خطاب للرجال والنساء، ويتضح ذلك في تفسير قوله: * (ما ءاتيتم) *.
* (وإذا * سلمتم) * شرط، قالوا: وجوابه ما يدل عليه الشرط الأول وجوابه، وذلك المعنى هو العامل في: إذا، وهو متعلق بما تعلق به: عليكم. إنتهى.
وظاهر هذا الكلام خطأ لأنه جعل العامل في إذا أولا المعنى الذي يدل عليه الشرط وجوابه، ثم قال ثانيا إن إذا تتعلق بما تعلق به: عليكم، وهذا يناقض ما قبله، ولعل قوله: وهو متعلق، سقطت منه ألف، وكان: أو هو متعلق، فيصح إذ ذاك المعنى، ولا تكون إذ ذاك شرطا، بل تتمحض للظرفية.
وقرأ ابن كثير: ما أتيتم، بالقصر، وقرأ باقي السبعة بالمد؛ وتوجيه قراءة ابن كثير: أن: أتيتم، بمعنى جئتموه وفعلتموه، يقال: أتى جميلا أي: فعله، وأتى إليه، إحسانا فعله، وقال إن وعده كان مأتيا، أي: مفعولا، وقال زهير:
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»