حق لما نهى عنه، فلا يستدل بالنهي على إثبات الحق، وظاهره العقد.
وظاهر الآية إذا كان الخطاب في: فلا تعضلوهن، للأولياء النهي عن مطلق العضل، فيتحقق بعضلها عن خاطب واحد، وقال مالك: إذا منعها من خاطب أو خاطبين لا يكون بذلك عاضلا.
وقال أبو حنيفة: الثيب تزوج نفسها وتستوفي في المهر ولا اعتراض للولي عليها. وهو قول زفر؛ وإن كان غير كفء جاز، وللأولياء أن يفرقوا بينهما. وعلى جواز النكاح بغير ولي: ابن سيرين، والشعبي، والزهري، وقتادة وقال أبو يوسف: إن سلم الولي نكاحها جاز وإلا فلا، إلا إن كان كفؤا فيجيزه القاضي إن أبى الولي أن يسلم، وهو قول محمد. وروي عن أبي يوسف غير هذا.
وقال الأوزاعي: إذا ولت أمرها رجلا، وكان الزوج كفؤا، فالنكاح جائز، وليس للولي أن يفرق بينهما. وقال ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والثوري، والحسن بن صالح: لا يجوز النكاح إلا بولي، وهو مذهب الشافعي وقال الليث: تزوج نفسها بغير ولي. وقال ابن القاسم، عن مالك: إذا كانت معتقة، أو مسكينة، أو دنيئة، فلا بأس أن تستخلف رجلا يزوجها، وللأولياء فسخ ذلك قبل الدخول، وعنه خلاف بعد الدخول، وإن كانت ذات غنى فلا يجوز أن يزوجها إلا الولي أو السلطان، وحجج هذه المذاهب في كتب الفقه.
* (إذا تراضوا) *: الضمير عائد على الخطاب والنساء، وغلب المذكر، فجاء الضمير بالواو، ومن جعل للأولياء ذكرا في الآية قالوا: احتمل أن يعود على الأولياء والأزواج.
والعامل في: إذا، ينكحن.
* (بينهم بالمعروف) * الضمير في: بينهم، ظرف مجازي ناصبه: تراضوا، بالمعروف: ظاهره أنه متعلق بتراضوا، وفسر بأنه ما يحسن من الدين والمروءة في الشرائط، وقيل: مهر المثل، وقيل: المهر والإشهاد. ويجوز أن يتعلق: بالمعروف، بينكحن، لا: بتراضوا، ولا يعتقد أن ذلك من الفصل بين العامل والمعمول الذي لا ينتفي، بل هو من الفصل الفصيح، لأنه فصل بمعمول الفعل، وهو قوله: * (إذا تراضوا) * فإذا منصوب بقوله: * (أن ينكحن) * و: بالمعروف، متعلق به، فكلاهما معمول للفعل.
* (ذالك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الاخر) * ذلك خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم)، وقيل: لكل سامع، ثم رجع إلى خطاب الجماعة فقال: منكم، وقيل: ذلك بمعنى: ذلكم، وأشار بذلك إلى ما ذكر في الآية من النهي عن العضل، و: ذلك، للبعد ناب عن اسم الإشارة الذي للقرب، وهو: هذا، وان كان الحكم قريبا ذكره في الآية، وذلك يكون لعظمة المشير إلى الشيء، ومعنى: يوعظ به أي يذكر به، ويخوف. و: منكم، متعلق بكان، أو: بمحذوف في موضع الحال من الضمير المستكن في: يؤمن، وذكر الإيمان بالله لأنه تعالى هو المكلف لعباده، الناهي لهم، والآمر. و: اليوم الآخر، لأنه هو الذي يحصل به التخويف، وتجنى فيه ثمرة مخالفة النهي. وخص المؤمنين لأنه لا ينتفع بالوعظ إلا المؤمن، إذ نور الإيمان يرشده إلى القبول * (إنما يستجيب الذين يسمعون) * وسلامة عقله تذهب عنه مداخلة الهوى، * (إنما يتذكر أولوا الالباب) *.
* (ذالكم أزكى لكم وأطهر) * أي: التمكن من النكاح أزكى لمن هو بصدد العضل لما له في امتثال أمر الله من الثواب، وأطهر للزوجين لما يخشى عليهما من الريبة إذا منعا من النكاح، وذلك بسبب العلاقات التي بين النساء والرجال.
* (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) * أي: يعلم ما تنطوي عليه قلوب الزوجين من ميل كل منهما للآخر، لذلك نهى تعالى عن العضل، قال معناه ابن عباس؛ أو: يعلم ما فيه من اكتساب الثواب وإسقاط العقاب. أو: يعلم بواطن الأمور ومآلها. وأنتم لا تعلمون ذلك، إنما تعلمون ما ظهر. أو: يعلم من يعمل على وفق هذه التكاليف ومن لا يعمل بها. ويكون المقصود بذلك: تقرير الوعد والوعيد.
قيل: وتضمنت هذه الآية ستة أنواع من ضروب الفصاحة، والبلاغة، من علم البيان.
الأول: الطباق، وهو الطلاق والإمساك، فإنهما ضدان، والتسريح طباق ثان لأنه ضد الإمساك، والعلم وعدم العلم، لأن عدم العلم هو الجهل.
الثاني: المقابلة في * (فأمسكوهن بمعروف) * و * (لا * تمسكوهن ضرارا) * قابل المعروف بالضرار، والضرار منكر فهذه مقابلة معنوية.
الثالث: التكرار في: * (فبلغن أجلهن) * كرر اللفظ لتغيير المعنيين، وهو غاية الفصاحة، إذ