مقام الفاعل إذا حذف نحو: مر بزيد.
وذهب الكوفيون إلى أن ذلك لا يجوز إلا فيما حرف الجر فيه زائد، نحو: ما ضرب من أحد، فإن كان حرف الجر غير زائد لم يجز ذلك عندهم، ولا يجوز أن يكون الاسم المجرور في موضع رفع باتفاق منهم.
واختلفوا بعد هذا الاتفاق في الذي أقيم مقام الفاعل، فذهب الفراء إلى أن حرف الجر وحده في موضع رفع، كما أن: يقوم من؟ زيد يقوم. في موضع رفع، وذهب الكسائي وهشام إلى أن مفعول الفعل ضمير مبهم مستتر في الفعل، وإبهامه من حيث، إنه يحتمل أن يراد به ما يدل عليه الفعل من مصدر، أو ظرف زمان، أو ظرف مكان، ولم يقم الدليل على أن المراد به بعض ذلك دون بعض، ومنهم من ذهب إلى أن مرفوع الفعل ضمير عائد على المصدر، والتقدير: سير هو، يريد: أي سير السير، والضمير يعود على المصدر المفهوم من الفعل، وهذا سائغ عند بعض البصريين، وممنوع عند محققي البصريين، والنظر في دلائل هذه المذاهب تصحيحا وإبطالا يذكر في عالم النحو.
وقد وهم بعض كبرائنا، فذكر في كتابه المسمى ب (الشرح لجمل الزجاجي) أن النحويين أجمعوا على جواز إقامة المجرور مقام الفاعل إلا السهيلي، فإنه منع ذلك، وليس كما ذكر، إذ قد ذكرنا الخلاف عن الفراء، والكسائي، وهشام. والتفصيل في المجرور. وممن تبع السهيلي على قوله: تلميذه أبو علي الزيدي شارح (الجمل).
و: المولود له، هو الوالد، وهو الأب، ولم يأت بلفظ الوالد، ولا بلفظ الأب، بل جاء بلفظ: المولود له، لما في ذلك من إعلام الأب ما منح الله له وأعطاه، إذ اللام في: له، معناها شبه التمليك كقوله تعالى: * (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) * وهو أحد المعاني التي ذكرناها في اللام في أول الفاتحة، ولذلك يتصرف الوالد في ولده بما يختار، وتجد الولد في الغالب مطيعا لأبيه، ممتثلا ما أمر به، منفذا ما أوصى به، فالأولاد في الحقيقة هم للآباء، وينتسبون إليهم لا إلى أمهاتهم، كما أنشد المأمون بن الرشيد، وكانت أمه جارية طباخة تدعى مراجل، قال:
* فإنما أمهات الناس أوعية * مستودعات وللأبناء آباء * فلما كان لفظ: المولود، مشعرا بالمنحة وسبه التمليك، أتى به دون لفظ: الوالد، ولفظ: الأب، وحيث لم يرد هذا المعنى أتى بلفظ الوالد ولفظ الأب، كما قال تعالى: * (لا يجزى والد عن ولده) * وقال: * (لا جناح عليهن فىءابائهن) *.
ولطيفة أخرى في قوله: * (وعلى المولود له) * وهو أنه لما كلف بمؤن المرضعة لولده من الرزق والكسوة، ناسب أن يسلى بأن ذلك الولد هو ولد لك لا لأمه، وأنك الذي تنتفع به في التناصر وتكثير العشيرة، وأن لك عليه الطواعية كما كان عليك لأجله كلفة الرزق، والكسوة لمرضعته.
وفسر ابن عطية هنا، الرزق، بأنه الطعام الكافي، فجعله اسما للمرزوق. كالطحن والرعي. وقال الزمخشري: فكان عليهم أن يرزقوهن ويكسوهن، فشرح الرزق: بأن والفعل اللذين ينسبك منهما المصدر، ويحتمل الرزق الوجهين من إرادة المرزوق، وإرادة المصدر.
وقد ذكرنا أن: رزقا بكسر الراء، حكي مصدرا، كرزق بفتحها فيما تقدم، وقد جعله مصدرا أبو علي الفارسي في قوله: * (ما لا يملك لهم رزقا من * السماوات والارض * شيئا) * وقد رد ذلك عليه ابن الطراوة، وسيأتي ذلك في مكانه إن شاء الله تعالى.
ومعنى: بالمعروف، ما جرى به العرف من نفقة وكسوة لمثلها، بحيث لا يكون إكثار ولا إقلال، قاله الضحاك وقال ابن عطية: بالمعروف، يجمع جنس القدر في الطعام، وجودة الاقتضاء له، وحسن الاقتضاء من المرأة. انتهى كلامه.
ولا يدل على حسن الاقتضاء من المرأة، لأن الآية إنما هي فيما يجب على