تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٥
المولود له من الرزق والكسوة، فبالمعروف، يتعلق برزقهن أو بكسوتهن على الإعمال، إما للأول وإما للثاني إن كانا مصدرين، وإن عنى بهما المرزوق، والشأن، فلا بد من حذف مضاف التقدير: إيصال أو دفع، أو ما أشبه ذلك مما يصح به المعنى، ويكون: بالمعروف، في موضع الحال منهما، فيتعلق بمحذوف. وقيل: العامل فيه معنى الاستقرار في: على.
وقرأ طلحة: وكسوتهن، بضم الكاف، وهما لغتان يقال: كسوة وكسوة، بضم الكاف وكسرها.
* (لا تكلف نفس إلا وسعها) * التكليف إلزام ما يؤثر في الكلفة، من: كلف الوجه، وكلف العشق، لتأثيرهما وسعها طاقتها وهو ما يحتمله وقد بين تعالى ذلك في قوله لينفق ذو سعة من سعته الآية وظاهر قوله: * (لا تكلف نفس إلا وسعها) * العموم في سائر التكاليف، قيل: والمراد من الآية: أن والد الصبي لا يكلف من الإنفاق عليه وعلى أمه، إلا بما تتسع به قدرته، وقيل: المعنى لا تكلف المرأة الصبر على التقصير في الأجرة، ولا يكلف الزوج ما هو إسراف، بل يراعى القصد.
وقراءة الجمهور: * (لا تكلف نفس) * مبنى للمفعول، والفاعل هو الله تعالى، وحذف للعلم به. وقرأ أبو رجاء: لا تكلف، بفتح التاء، أي: لا تتكلف، وارتفع نفس على الفاعلية، وحذفت إحدى التاءين على الخلاف الذي بيننا وبين بعض الكوفيين، و: تكلف تفعل، مطاوع فعل نحو: كسرته فتكسر، والمطاوعة أحد المعاني التي جاء لها تفعل.
وروي أبو الأشهب عن أبي رجاء أنه قرأ: لا نكلف نفسا بالنون، مسندا الفعل إلى ضمير الله تعالى، و: نفسا، بالنصب مفعول.
* (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) * قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب، وأبان، عن عاصم: لا تضار، بالرفع أي: برفع الراء المشددة، وهذه القراءة مناسبة لما قبلها من قوله: * (لا تكلف نفس إلا وسعها) * لاشتراك الجملتين في الرفع، وإن اختلف معناهما، لأن الأولى خبرية لفظا ومعنى، وهذه خبرية لفظا نهيية في المعنى. وقرأ باقي السبعة: لا تضار، بفتح الراء، جعلوه نهيا، فسكنت الراء الأخيرة للجزم، وسكنت الراء الأولى للإدغام، فالتقى ساكنان فحرك الأخير منهما بالفتح لموافقة الألف التي قبل الراء، لتجانس الألف والفتحة، ألا تراهم حين رخموا: أسحارا، وهو اسم نبات، إذا سمي به حذفوتا الراء الأخيرة، وفتحوا الراء الساكنة التي كانت مدغمة في الراء المحذوفة، لأجل الألف قبلها، ولم يكسروها على أصل التقاء الساكنين، فراعوا الألف وفتحوا، وعدلوا عن الكسر وإن كان الأصل؟ وقرأ: لا يضار بكسر الراء المشددة على النهي وقرأ أبو جعفر الصفار: لا تضار، بالسكون مع التشديد، أجرى الوصل مجرى الوقف، وروي عنه: لا تضار، بإسكان الراء وتخفيفها، وهي قراءة الأعرج من ضار يضير، وهو مرفوع أجري الوصل فيه مجرى الوقف. وقال الزمخشري: اختلس الضمة فظنه الراوي سكونا. انتهى. وهذا على عادته في تغليط القراء وتوهيمهم، ولا نذهب إلى ذلك.
ووجه هذه القراءة بعضهم بأن قال: حذف الراء الثانية فرارا من التشديد في الحرف المكرر، وهو الراء، وجاز أن يجمع بين الساكنين: إما لأنه أجرى الوصل مجرى الوقف، ولأن مدة الألف تجري مجرى الحركة. انتهى.
وروي عن ابن عباس: لا تضارر، بفك الإدغام وكسر الراء الأول وسكون الثانية. وقرأ ابن مسعود: لا تضارر، بفك الإدغام أيضا وفتح الراء الأولى وسكون الثانية، قيل: ورواها أبان عن عاصم.
والإظهار في نحو هذين المثلين لغة الحجاز، فأما من قرأ بتشديد الراء، مرفوعة أو مفتوحة أو مكسورة، فيحتمل أن يكون الفعل مبنيا للفاعل، ويحتمل أن يكون مبنيا للمفعول كما جاء في قراءة ابن عباس، وفي قراءة ابن مسعود؛ ويكون ارتفاع: والدة ومولود، على الفاعلية إن قدر الفعل مبنيا للفاعل، وعلى المفعولية إن قدر الفعل مبنيا للمفعول، فإذا قدرناه مبنيا للفاعل، فالمفعول محذوف تقديره: لا تضارر والدة زوجها بأن تطالبه بما لا يقدر عليه من رزق وكسوة وغير ذلك من وجوه الضرر، ولا يضارر مولود له زوجته بمنعها ما وجب لها من رزق وكسوة، وأخذ ولدها مع إيثارها إرضاعه، وغير ذلك من وجوه الضرر.
والباء في: بولدها، وفي: بولده، باء السبب.
قال الزمخشري: ويجوز أن يكون يضار بمعنى: تضر، وأن تكون الباء
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»