تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٠
المحذوف، إذ تقديره: وما أنزل عليكم. ومن أثبت لمن معنى البيان للجنس جوز ذلك هنا، كأنه قيل: وما أنزله عليكم الذي هو الكتاب والسنة.
* (يعظكم به) * يذكركم به، والضمير عائد على: ما، من قوله: وما أنزل، وهي جملة حالية من الفاعل المستكن في: أنزل، والعامل فيها: أنزل، وجوزوا في: ما، من قوله: وما أنزل، أن يكون مبتدأ. و: يعظكم، جمله في موضع الخبر، كأنه قيل: والمنزلة الله من الكتاب والحكمة يعظكم به، وعطفه على النعمة أظهر.
* (واتقوا الله) * لما كان تعالى قد ذكر أوامر ونواهي، وذلك بسبب النساء اللاتي هن مظنة الإهمال وعدم الرعاية، أمر الله تعالى بالتقوى، وهي التي بحصولها يحصل الفلاح في الدنيا والآخرة، ثم عطف عليها ما يؤكد طلبها وهي قوله: * (واعلموا أن الله بكل شىء عليم) * والمعنى: بطلب العلم الديمومة عليه، إذ هم عالمون بذلك، وفي ذلك تنبيه على أنه يعلم نياتكم في المضارة والاعتداء، فلا تلبسوا على أنفسكم. وكرر اسم الله في قوله تعالى: * (واتقوا الله) * * (واعلموا أن الله) * لكونه من جملتين، فتكريره أفخم، وترديده في النفوس أعظم.
* (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن) * قال ابن عباس، والزهري، والضحاك؛ نزلت في كل من منع امرأة من نسائه عن النكاح بغيره إذا طلقها، وقيل: نزلت في ابنة عم جابر بن عبد الله، طلقها زوجها، وانقضت عدتها فأراد رجعتها، فأتى جابر وقال: طلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها؟ وكانت المرأة تريد زوجها، فنزلت. وقيل: في معقل بن يسار، وأخته جمل، وزوجها أبي الوليد عاصم بن عدي بن العجلان، جرى لهم ما جرى لجابر في قصته، ذكر معناه البخاري.
فعلى السبب الأول يكون المخاطبون هم الأزواج، وعلى هذا السبب الأولياء، وفيه بعد، لأن نسبة الطلاق إليهم هو مجاز بعيد، وهو أن يكون الأولياء قد تسببوا في الطلاق حتى وقع، فنسب إليهم الطلاق بهذا الاعتبار، ويبعد جدا أن يكون الخطاب في: * (وإذا طلقتم) * للأزواج وفي * (فلا تعضلوهن) * للأولياء، لتنافي التخاطب، ولتنافر الشرط والجزاء، فالأولى، والذي يناسبه سياق الكلام، أن الخطاب في الشرط والجزاء للأزواج، لأن الخطاب من أول الآيات هو مع الأزواج ولم يجر للأولياء ذكر، ولأن الآية قبل هذه خطاب مع الأزواج في كيفية معاملة النساء قبل انقضاء العدة، وهذه الآية خطاب لهم في كيفية معاملتهم معهن بعد انقضاء العدة، ويكون الأزواج المطلقون قد انتهوا عن العضل، إذ كانوا يفعلون ذلك ظلما وقهرا وحمية الجاهلية، لا يتركونهن يتزوجن من شئن من الأزواج، وعلى هذا يكون معنى: * (أن ينكحن أزواجهن) * أي: من يردن أن يتزوجنه، فسموا أزواجا باعتبار ما كانوا عليه، وإن لم يكونوا بعد انقضاء العدة أزواجا حقيقة.
وجهات العضل من الزوج متعددة: بأن يجحد الطلاق، أو يدعي رجعة في العدة، أو يتوعد من يتزوجها، أو يسيء القول فيها لينفر الناس عنها، فنهوا عن العضل مطلقا بأي سبب كان مما ذكرناه ومن غيره.
وقال الزمخشري: والوجه أن يكون خطابا للناس، أي: لا يوجد فيما بينكم عضل، لأنه إذا وجد بينهم وهم راضون كانوا في حكم العاضلين؛ وصدر بما يقارب هذا المعنى كلامه ابن عطية، فقال: * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن) * الآية خطاب للمؤمنين الذين هم الإزواج، ومنهم الأولياء، لأنهم المراد في تعضلوهن. انتهى كلامه. وهذا التوجيه يؤول إلى أن الخطاب في: طلقتم، للأزواج، وفي: فلا تعضلوهن، للأولياء وقد بينا ما فيه من التنافر.
* (أن ينكحن أزواجهن) * هو في موضع نصب على البدل من الضمير بدل اشتمال، أو على أن أصله من أن ينكحن، وينكحن مضارع نكح الثلاثي، وفيه دلالة على أن للمرأة أن تنكح بغير ولي، لأنه لو كان له
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»