على ذلك من قول أو فعل، وإن كان التبين بمعنى خلق البيان، فلا بد من تخصيص المبين لهم الذين يعلمون بالذكر، لأن من طبع على قلبه لا يخلق في قلبه التبيين.
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة نهي الله عباده عن ابتذال اسمه تعالى، وجعله كثير الترداد، وعلى ألسنتهم في أقسامهم على بر وتقوى وإصلاح، فدل ذلك على أن مبالغة النهي عن ذلك في أقسامهم على ما ينافي البر والتقوى والصلاح بجهة الأحرى، وألاولى، لأن الإكثار من اليمين بالله تعالى فيه عدم مبالاة واكتراث المقسم به، إذ الأيمان معرضة لحنث الإنسان فيها كثيرا، وقل أن يرى كثير الحلف إلا كثير الحنث. ثم ختم هذه الآية بأنه تعالى سميع لأقوالهم، عليم بنياتهم.
ولما تقدم النهي عن ما ذكرناه، سامحهم الله تعالى بأن ما كان يسبق على ألسنتهم على سبيل اللغو، وعدم القصد لليمين، لا يؤاخذون. به، وإنما يؤاخذ بما انطوى عليه الضمير، وكسبه القلب بالتعهد، ثم ختم هذه الآية بما يدل على المسامحة في لغو اليمين من صفة الغفران والحلم.
ولما تقدم كثير من الأحكام مع النساء ذكر حكم الإيلاء مع النساء، وهو: الحلف على الامتناع من وطئهن، فجعل لذلك مدة، وهو أربعة أشهر أقصى ما تصبر المرأة عن زوجها غالبا، ثم بعد انتظار هذه المدة وانقضائها إن فاء فإن الله غفور لا يؤاخذه بل يسامحه في تلك اليمين، وإن عزم الطلاق أوقعه.
ولما جرى ذكر الطلاق استطرد إلى ذكر جملة من أحكامه فذكر عدة المطلقة وأنها: ثلاثة قروء، ودل ذكر القرء على أن المراد بالمطلقات هن النساء اللواتي يحضن ويطهرن، ولم يطلقن قبل المسيس ولا هن حوامل، ودل على إرادة هذه المخصصات آيات أخر، وذكر تعالى أنه لا يحل لهن كتمان ما خلق الله في أرحامهن، فعم الدم والولد لأنهن كن يكتمن ذلك لأغراض لهن، وعلق ذلك على الإيمان بالله وهو الخالق ما في أرحامهن، وعلى الإيمان بالله واليوم الآخر وهو الوقت الذي يقع فيه الحساب، والثواب والعقاب على ما يرتكبه الإنسان من تحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله، ومخالفته فيما شرع.
ثم ذكر تعالى أن أزواجهن الذين طلقوهن أحق بردهن في مدة العدة، وشرط في الأحقية إرادة إصلاح الأزواج، فدل على أنه إذا قصد برجعتها الضرر لا يكون أحق بالرد، ثم ذكر تعالى أن للزوجة حقوقا على الرجل، مثل ما أن للرجل حقوقا على الزوجة، فكل منهما مطلوب بإيفاء ما يجب عليه، ثم ذكر أن للرجل مزيد مزية ودرجة على المرأة، فيكون حق الرجل أكثر، وطواعية المرأة له ألزم، ولم يبين الدرجة ما هي، ويظهر أنها ما يؤلف من كثرة الطواعية، والاهتبال بقدره، والتعظيم له، لأن قبله بالمعروف وهو الشيء الذي عرفه الناس في عوائدهم من كثرة تودد المرأة لزوجها وامتثال ما يأمر به وختم هذه الآية يوصف العزة وهي: الغلبة، والقهر؛ و: الحكمة، وهي وضع الشيء موضع ما يليق به، وهما الوصفان اللذان يحتاج إليهما التكليف.
ثم ذكر تعالى أن الطلاق الذي يستحق فيه الزوج الرجعة في تلك العدة، هو مرتان طلقة بعد طلقة وبعد وقوع الطلقتين، إما أن يردها ويمسكها بمعروف، أو يسرحها بإحسان، ثم ذكر عقب هذا حكم الخلع، لأن مشروعيته لا تكون إلا قبل وجود الطلقة الثالثة، وأما بعدها فلا ينبغي خلع، فلذلك جاء بين الطلاق الذي له فيه رجعة، وبين الطلاق الذي يبت العصمة، وذكر من أحكامه أنه: لا يحل أخذ شيء من مال الزوجة، إلا بشرط أن يخافا أن لا يقيما حدود الله، ثم أكد ذلك بذكر الخوف أن لا يقيما حدود الله، فجعل ذلك منهما معا، فلو خاف أحدهما لم يجز الخلع، هذا ظاهر الآية.
ثم نهى تعالى عن تعدي حدود الله وتجاوزها، وأخبر أن من تعداها ظالم، قال تعالى * (فإن طلقها) * يعني: ثلاثة، والمعنى، ان أوقع التسريح المردد فيه في قوله: * (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * فهي لا تحل له إلا بعد نكاح زوج غيره، فإن طلقها الزوج الثاني، وأراد الأول أن يراجعها فله ذلك لكنه شرط في هذا التراجع ظنهما إقامة حدود الله، فمتى لم يظنا ذلك لم يجز لهما أن يتراجعا، هذا من الآيات، ولا يتضح له: * (أفمن يعلم أنما * ما أنزل إليك من ربك * الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الالباب) *.
2 (* (وإذا طلقتم النسآء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن