المسجد الحرام والمعطوف على الشهر الحرام، والشهر الحرام لم يسأل عنه لذاته، إنما سئل عن القتال فيه، فكذلك المعطوف عليه يكون السؤال عن القتال فيه، فيصير المعنى: يسألونك عن قتال في الشهر الحرام. وفي المسجد الحرام، فأجيبوا: بأن القتال في الشهر الحرام كبير، وصد عن سبيل الله، وكفر به، ويكون: وصد عن سبيل الله، على هذا، معطوفا على قوله: كبير، أي: القتال في الشهر الحرام أخبر عنه بأنه إثم كبير، وبأنه صد عن سبيل الله وكفر به.
ويحتمل أن يكون: وصد، مبتدأ وخبره محذوف لدلالة خبر: قتال، عليه، التقدير: وصد عن سبيل الله وكفر به كبير، كما تقول: زيد قائم وعمرو، أي: وعمرو قائم، وأجيبوا بأن: القتال في المسجد الحرام إخراج أهله منه أكبر عند الله من القتال فيه، وكونه معطوفا على الشهر الحرام متكلف جدا، ويبعد عنه نظم القرآن، والتركيب الفصيح، ويتعلق كما قيل بفعل محذوف دل عليه المصدر، تقديره: ويصدون عن المسجد الحرام، كما قال تعالى: * (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) * قال بعضهم: وهذا هو الجيد، يعنى من التخاريج التي يخرج عليه، والمسجد الحرام وما ذهب إليه غير جيد، لأن فيه الجر بإضمار حرف الجر، وهو لا يجوز في مثل هذا إلا في الضرورة، نحو قوله:
أشارت كليب بالأكف الأصابع أي: إلى كليب، وقيل: هو معطوف على الضمير في قوله: وكفر به، أي: وبالمسجد الحرام، قاله الفراء، ورد بأن هذا لا يجوز إلا بإعادة الجار، وذلك على مذهب البصريين.
ونقول: العطف المضمر المجرور فيه مذاهب:.
أحدها: أنه لا يجوز إلا بإعادة الجار إلا في الضرورة، فإنه يجوز بغير إعادة الجار فيها، وهذا مذهب جمطهور البصريين.
الثاني: أنه يجوز ذلك في الكلام، وهو مذهب الكوفيين، ويونس، وأبي الحسن، والأستاذ أبي علي الشلوبين.
الثالث: أنه يجوز ذلك في الكلام إن أكد الضمير، وإلا لم يجز في الكلام، نحو: مررت بك نفسك وزيد، وهذا مذهب الجرمي.
والذي نختاره أن يجوز ذلك في الكلام مطلقا، لأن السماع يعضده، والقياس يقويه. أما السماع فما روي من قول العرب: ما فيها غيره وفرسه، بجر الفرس عطفا على الضمير في غيره، والتقدير: ما فيها غيره وغير فرسه، والقراءة الثانية في السبعة: * (تساءلون به والارحام) * أي: وبالأرحام وتأويلها على غير العطف على الضمير، مما يخرج الكلام عن الفصاحة، فلا يلتفت إلى التأويل. قرأها كذلك ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والنخعي، ويحي بن وثاب، والأعمش، وأبو رزين، وحمزة.
ومن ادعى اللحن فيها أو الغلط على حمزة فقد كذب، وقد ورد من ذلك في أشعار العرب كثير يخرج عن أن يجعل ذلك ضرورة، فمنه قول الشاعر:
* نعلق في مثل السواري سيوفنا * فما بينها والأرض غوط نفانف * وقال آخر:
* هلا سألت بذي الجماجم عنهم * وأبي نعيم ذي اللواء المحرق * وقال آخر:
* بنا أبدا لا غيرنا يدرك المنى * وتكشف غماء الخطوب الفوادح *