تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١٥٣
عسى هنا للترجي، ومجيئها له هو الكثير في لسان العرب، وقالوا: كل عسى في القرآن للتحقيق، يعنون به الوقوع إلا قوله تعالى: * (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا) * اندرج في قوله: شيئا، الخلود إلى الراحة وترك القتال، لأن ذلك محبوب بالطبع لما في ذلك من ضد ما قد يتوقع من الشر في القتال، والشر الذي فيه هو ذلهم، وضعف أمرهم، واستئصال شأفتهم، وسبى ذراريهم، ونهب أموالهم، وملك بلادهم.
والكلام على هذه إعرابا، كالكلام على التي قبلها.
* (والله يعلم) * ما فيه المصلحة حيث كلفكم القتال * (وأنتم لا تعلمون) * ما يعلمه الله تعالى، لأن عواقب الأمور مغيبة عن عملكم، وفي هذا الكلام تنبيه على الرضى بما جرت به المقادير، قال الحسن: لا تكرهوا الملمات الواقعة، فلرب أمر تكرهه فيه أربك، ولرب أمر تحبه فيه عطبك. وقال أبو سعيد الضرير:
* رب أمر تتقيه * جر أمرا ترتضيه * * خفى المحبوب منه * وبدا المكروه فيه * وقال الوضاحي:
* ربما خير الفتى * وهو للخير كاره * وقال ابن السرحان:
* كم فرحة مطوية * لك بين أثناء المصائب * * ومسرة قد أقبلت * من حيث تنتظر النوائب * وقال آخر:
* كم مرة حفت بك المكاره * خار لك الله وأنت كاره * * (يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه) *؟ طول المفسرون في ذكر سبب نزول هذه الآية في عدة أوراق، وملخصها وأشهرها: أنها نزلت في قصة عبد الله بن جحش الأسدي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم) في ثمانية معه: سعد بن أبي وقاص، وعكاشة بن محيصن، وعقبة بن غزوان، وأبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسهيل بن بيضاء، ووافد بن عبد الله، وخال بن بكير، وأميرهم عبد الله يترصدون عير قريش ببطن نخلة، فوصلوها، ومرت العير فيها عمرو بن الحضرمي، والحكم بن كيسان، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، ونوفل بن عبد الله، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى على ظنهم، وهو أول يوم من رجب، فرمى وافد عمرا بسهم فقتله، وكان أول قتيل من المشركين، وأسروا الحكم، وعثمان، وكانا أول أسيرين في الإسلام، وأفلت نوفل، وقدموا بالعير المدينة، فقالت قريش: استحل محمد الشهر الحرام، وأكثر الناس في ذلك، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم) العير، وقال أصحاب السرية: ما نبرج حتى تنزل توبتنا، فنزلت الآية، فخمس العير رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فكان أول خمس في الإسلام.، فوجهت قريش في فداء الأسيرين فقيل: حتى يقدم سعد وعتبة، وكانا قد أضلا بعيرا لهما قبل لقاء العير فخرجا في طلبه، فقد ما، وفودي الأسيران. فأما الحكم فأسلم وأقام بالمدينة وقتل شهيدا ببئر معونة، وأما عثمان فمات بمكة كافرا، وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق على المسلمين، فوقع بالخندق مع فرسه، فتحطما وقتلهما الله.
وفي هذه القصة اختلاف في مواضع، وقد لخص السخاوندي هذا السبب فقال
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»