تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١٤٥
الآية يدل على أنه لا نبي إلا ومعه كتاب منزل فيه بيان الحق، طال ذلك الكتاب أو قصر، دون أو لم يدون، كان معجزا أو لم يكن، لأن كون الكتاب منزلا معهم لا يقضي شيئا من ذلك. انتهى كلامه.
ويحتمل أن يكون التجوز في: أنزل، فيكون بمعنى: جعل، كقوله: * (وأنزلنا الحديد) *. ولما كان الإنزال الكثير منهم نسب إلى الجميع، ويحتمل أن يكون التجوز في الكتاب، فيكون بمعنى الموحى به، ولما كان كثيرا مما أوحى به بكتب، أطلق على الجميع الكتاب تسمية للمجموع باسم كثير من أجزائه.
* (ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) * الللام لام العلة، ويتعلق بأنزل، والضمير في: ليحكم، عائد على الله في قوله: فبعث الله، وهو المضمر في: أنزل، وهذا هو الظاهر، والمعنى أنه تعالى أنزل الكتاب ليفصل به بين الناس، وقيل: عائد على الكتاب أي: ليحكم الكتاب بين الناس، ونسبة الحكم إليه مجاز، كما أسند النطق إليه في قوله: * (هاذا كتابنا ينطق عليكم بالحق) * وكما قال:
* ضربت عليك العنكبوت نسيجها * وقضى عليك به الكتاب المنزل * ولأن الكتاب هو أصل الحكم، فأسند إليه ردا للأصل، وهذا قول الجمهور، وأجاز الزمخشري أن يكون الفاعل: النبي، قال: ليحكم الله أو الكتاب أو النبي المنزل عليه، وإفراد الضمير يضعف ذلك على أن يحتمل ما قاله، فيعود على أفراد الجمع، أي: ليحكم كل نبي بكتابة، ولا حاجة إلى هذا التكلف مع ظهور عود الضمير على الله تعالى، ويبين عوده على الله تعالى قراءة الجحدري فيما ذكر مكي لنحكم، بالنون، وهو متعين عوده على الله تعالى، ويكون ذلك التفاتا إذ خرج من ضمير الغائب في: أنزل، إلى ضمير المتكلم، وظن ابن عطية هذه القراءة تصحيفا قال: ما معناه لأن مكيا لم يحك عن الجحدري قراءته التي نقل الناس عنه، وهي: ليحكم، على بناء الفعل للمفعول، ونقل مكي لنحكم بالنون.
وفي القراءة التي نقل الناس من قوله: وليحكم، حذف الفاعل للعلم به، والأولى أن يكون الله تعالى:
قالوا: ويحتمل أن يكون الكتاب أو النبيون. وهي ظرف مكان، وهو هنا مجاز، وانتصابه بقوله: ليحكم، وفيما، متعلق به أيضا، و: فيه، الدين الذي اختلفوا فيه بعد الاتفاق..
قيل ويحتمل أن يكون الذي اختلفوا فيه محمد / صلى الله عليه وسلم)، أو دينه، أو: هما، أو: كتابه.
* (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم) * الضمير من قوله: وما اختلف فيه، يعود على، ما عاد عليه في: فيه، الأولى، وقد تقدم أنها عائدة على: ما، وشرح ما المعنى: بما، أهو الدين، أو محمد صلى الله عليه وسلم)؟ أم دينه؟ أم هما؟ أم كتابه؟
والضمير في: أوتوه، عائد إذ ذاك على ما عاد عليه الضمير في: فيه، وقيل: الضمير في: فيه، عائد على الكتاب، وأتوه عائد أيضا على الكتاب، التقدير: وما اختلف في الكتاب إلا الذين أوتوه، أي: أوتوا الكتاب.
وقال الزجاج: الضمير في: فيه، الثانية يجوز أن يعود على النبي صلى الله عليه وسلم)، أي: وما اختلف في النبي صلى الله عليه وسلم) إلا الذين أوتوه، أي: أوتوا علم نبوته، فعلوا ذلك للبغي، وعلى هذا يكون الكتاب: التوراة، والذين أوتوه اليهود.
وقيل: الضمير في: فيه، عائد على ما اختلفوا فيه من حكم التوراة والقبلة وغيرهما، وقيل: يعود الضمير في: فيه، على عيسى صلى الله على نبينا وعليه.
وقال مقاتل: الضمير عائد على الدين، أي: وما اختلف في الدين. انتهى.
والذي يظهر من سياق الكلام وحسن التركيب أن الضمائر كلها في: أوتوه وفيه الأولى والثانية، يعود على: ما، الموصولة في قوله: فيما اختلفوا فيه، وأن الذين اختلفوا فيه مفهومه كل شيء اختلفوا فيه فمرجعه إلى الله، بينه بما نزل في الكتاب، أو إلى الكتاب إذ فيه جميع ما يحتاج إليه المكلف، أو إلى النبي يوضحه بالكتاب على الأقوال التي سبقت في الفاعل في قوله: * (ليحكم) *.
والذين أوتوه أرباب العلم به والدراسة له، وخصهم بالذكر تنبيها منه على شناعة فعلهم،
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»