وكرهوا، فنزلت هذه الآية. وظاهر قوله: كتب، أنه فرض على الأعيان، كقوله: * (كتب عليكم الصيام) * * (كتب عليكم القصاص) * * (فإذا قضيتم الصلواة فاذكروا الله قياما وقعودا) * وبه قال عطاء، قال: فرض القتال على أعيان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم)، فلما استقر الشرع، وقيم به، صار على الكفاية.
وقال الجمهور: أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين، ثم استمر الإجماع على أنه فرض كفاية إلى أن نزل بساحة الإسلام، فيكون فرض عين.
وحكى المهدوي، وغيره عن الثوري أنه قال: الجهاد تطوع، ويحمل على سؤال سائل، وقد قيم بالجهاد، فأجيب بأنه في حقه تطوع.
وقرأ الجمهور: كتب، مبنيا للمفعول على النمط الذي تقدم قبل هذا من لفظ: كتب وقرأ قوم: كتب مبنيا للفاعل، وينصب القتال، والفاعل ضمير في كتب يعود على اسم الله تعالى.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه: لما ذكر ما مس من تقدمنا من اتباع الرسل من البلايا، وأن دخول الجنة معروف بالصبر على ما يبتلى به المكلف، ثم ذكر الإنفاق على من ذكر، فهو جهاد النفس بالمال، انتقل إلى أعلا منه وهو الجهاد الذي يستقيم به الدين، وفيه الصبر على بذل المال والنفس.
* (وهو كره لكم) * أي مكروه، فهو من باب النقض بمنى المنقوض، أو ذوكره إذا أريد به المصدر، فهو على حذف مضاف، أو لمبالغة الناس في كراهة القتال، جعل نفس الكراهة.
والظاهر عود: هو، على القتال، ويحتمل أن يعود على المصدر المفهوم من: كتب، أي: وكتبه وفرضه شاق عليكم، والجملة حال، أي: وهو مكروه لكم بالطبيعة، أو مكروه قبل ورود الأمر.
وقرأ السلمي: كره بفتح الكاف، وقد تقدم ذكر مدلول الكره في الكلام على المفردات.
وقال الزمخشري في توجيه قراءة السلمي: يجوز أن يكون بمعنى المضموم: كالضعف والضعف، تريد المصدر، قال: ويجوز أن يكون بمعنى الإكراه على سبيل المجاز، كأنهم أكرهوا عليه لشدة كراهته له ومشقته عليهم، ومنه قوله تعالى: * (حملته أمه كرها ووضعته كرها) *. انتهى كلامه.
وكون كره بمعنى الإكراه، وهو أن يكون الثلاثي مصدرا للرباعي هو لا ينقاس، فإن روي استعمال ذلك عن العرب استعملناه.
* (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) *. عسى هنا للاشفاق لا للترجي، ومجيئها للإشفاق قليل، وهي هنا تامة لا تحتاج إلى خبر، ولو كانت ناقصة لكانت مثل قوله تعالى: * (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا) * فقوله: أن تكرهوا، في موضع رفع بعسى، وزعم الحوفي في أنه في موضع نصب، ولا يمكن إلا بتكلف بعيد، واندرج في قوله: شيئا القتال، لأنه مكروه بالطبع لما فيه من التعرض للأسر والقتل، وإفناء الأبدان، وإتلاف الأموال. والخير الذي فيه هو الظفر. والغنيمة بالاستيلاء على النفوس، والأموال أسرا وقتلا ونهبا وفتحا، وأعظمها الشهادة وهي الحالة التي تمناها رسول الله صلى الله عليه وسلم) مرارا.
والجملة من قوله: وهو خير لكم، حال من قوله: شيئا، وهو نكرة، والحال من النكرة أقل من الحال من المعرفة، وجوزوا أن تكون الجملة في موضع الصفة، قالوا: وساغ دخول الواو لما كانت صورة الجملة هنا كصورتها، إذ كانت حالا. انتهى. وهو ضعيف، لأن الواو في النعوت إنما تكون للعطف في نحو: مررت برجل عالم وكريم، وهنا لم يتقدم ما يعطف عليه، ودعوى زيادة الواو بعيدة، فلا يجوز أن تقع الجملة صفة.
* (وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) *