تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١٥١
فإن عسى لا تعمل في: ماذا، في موضع رفع، وهو مركب إذ لا صلة لذا. انتهى.
* وإنما لم يكن: لذا، في البيت صلة لأن عسى لا تقع صلة للموصول الإسمي، فلا يجوز لذا أن تكون بمعنى الذي، وما ذكره ابن عطية من أنه إذا كانت اسما مركبة فهي في موضع نصب، إلا، في ذلك البيت لا نعرفه، بل يجوز أن نقول: ماذا محبوب لك؟ و: من ذا، قائم؟ على تقدير التركيب، فكأنك قلت: ما محبوب؟ ومن قائم؟ ولا فرق بين هذا وبين من ذا تضربه؟ على تقديره: من تضربه؟ وجعل: من، مبتدأ.
* (قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل) * هذا بيان لمصرف ما ينفقونه، وقد تضمن المسؤول عنه، وهو المنفق بقوله: من خير، ويحتمل أن يكون ماذا سؤالا عن المصرف على حذف مضاف، التقدير مصرف ماذا ينفقون؟ أي: يجعلون إنفاقهم فيكون الجواب إذ ذاك مطابقا، ويحتمل أن يكون حذف من الأول الذي هو السؤال المصرف، ومن الثاني الذي هو الجواب ذكر المنفق، وكلاهما مراد، وإن كان محذوفا، وهو نوع من البلاغة تقدم نظيره في قوله: * (ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق) *.
وقال الزمخشري: قد تضمن قوله تعالى: * (ما أنفقتم من خير) * بيان ما ينفقونه، وهو كل خير، وبني الكلام على هواهم، وهو بيان المصرف، لأن النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها، كقول الشاعر:
* ان الصنيعة لا تكون صنيعة * حتى يصاب بها طريق المصنع * انتهى كلامه، وهو لا بأس به و * (من خير) * يتناول القليل والكثير.
وبدأ في المصرف بالأقرب فالأقرب، ثم بالأحوج فالأحوج، وقد مر الكلام في شيء من هذا الترتيب وشبهه، وقد استدل بهذه الآية على وجوب نفقة الوالدين والأقربين على الواجد، وحمل بعضهم الآية على أنها في الوالدين إذا كانا فقيرين، وهو غني.
* (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) * ما: في الموضعين شرطية منصوبة بالفعل بعدها، ويجوز أن تكون: ما، من قوله: * (قل ما أنفقتم) * موصولا، وأنفقتم، صلة، و: للوالدين، خبر، فالجار والمجرور في موضع المفرد، أو في موضع الجملة على الخلاف الذي في الجار والمجرور الواقع خبرا، أو هو معمول لمفرد، أو الجملة.
وإذا كانت: ما، في: ما أنفقتم، شرطية، فهذا الجار والمجرور في موضع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: فهو أو فمصرفه للوالدين.
وقرأ علي بن أبي طالب: وما يفعلوا، بالياء، فيكون ذلك من باب الالتفات، أو من باب ما أضمر لدلالة المعنى عليه، أي: وما يفعل الناس، فيكون أعم من المخاطبين قبل إذ يشملهم وغيرهم، وفي قوله: من خير، في الإنفاق يدل على طيب المنفق، وكونه حلالا، لأن الخبيث منهي عنه بقوله: * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * وما ورد من أن الله طيب لا يقبل إلا الطيب، ولأن الحرام لا يقال فيه خير. وقوله: من خير في قوله: وما تفعلوا، هو أعم: من، خير، المراد به المال، لأنه ما يتعلق به هو الفعل، والفعل أعم من الإنفاق، فيدخل الإنفاق في الفعل، فخير، هنا هو الذي يقابل الشر، والمعنى: وما تفعلوا من شيء من وجوه البر والطاعات وجعل بعضهم هنا: وما تفعلوا، راجعا إلى معنى الإنفاق، أي: وما تفعلوا من إنفاق خير، فيكون الأول بيانا للمصرف، وهذا بيان للمجازاة، والأولى العموم، لأنه يشمل إنفاق المال وغيره، ويترجح بحمل اللفظ على ظاهره من العموم.
ولما كان أولا السؤال عن خاص، أجيبوا بخاص، ثم أتى بعد ذلك الخاص التعميم في أفعال الخير، وذكر المجازاة على فعلها، وفي قوله: * (فإن الله به عليم) * دلالة على المجازاة، لأنه إذا كان عالما به جازى عليه، فهي جملة خبرية، وتتضمن الوعد بالمجازاة.
* (كتب عليكم القتال) * قال ابن عباس: لما فرض الله الجهاد على المسلمين، شق عليهم،
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»