الجملة الأولى من كلام الرسول والمؤمنين، والثانية من كلام الله تعالى.
ولما كان السؤال بمتى يشير إلى استعلام القرب، تضمن الجواب القرب، وظاهر هذا الإخبار أن قرب النصر هو: ينصرون في الدنيا على أعدائهم ويظفرون بهم، كقوله تعالى: * (جاءهم نصرنا) * و * (إذا جاء نصر الله والفتح) *.
وقال ابن عباس: النصر في الآخرة لأن المؤمن لا ينفك عن الابتلاء، ومتى انقضى حرب جاءه آخر، فلا يزال في جهاد العدو، والأمر بالمعروف، وجهاد النفس إلى الموت.
وفي وصف أحوال هؤلاء الذين خلوا ما يدل على أنا يجري لنا ما جرى لهم، فنتأسى بهم، وننتظر الفرج من الله والنصر، فإنهم أجيبوا لذلك قريبا.
* (يسئلونك ماذا ينفقون) * نزلت في عمرو بن الجموح، كان شيخا كبيرا ذا مال كثير، سأل بماذا أتصدق؟ وعلى من أنفق؟ قاله أبو صالح عن ابن عباس. وفي رواية عطاء نزلت في رجل قال؛ إن لي دينارا. قال النبي صلى الله عليه وسلم): (أنفقه على نفسك، فقال إن لي دينارين: فقال: (أنفقهما على أهلك) فقال: إن لي ثلاثة. فقال: (أنفقهما على خادمك) فقال: إن لي أربعة. فقال: (أنفقهما على والديك). فقال إن لي خمسة. فقال: (انفقهما على قرابتك). فقال: إن لي ستة. فقال: (انفقهما في سبيل الله، وهو أحسنها).
وينبغي أن يفهم من هذا الترقي على معنى أن ما أخبر به فاضل عما قبله، وقال الحسن: هي في التطوع، وقال السدي: هي منسوخة بفرض الزكاة.
قال ابن عطية: وهم المهدوي على السدي في هذا، فنسب إليه أنه قال: إن الآية في الزكاة المفروضة. ثم نسخ منها الوالدان انتهى؛ وقد قال: قدم بهذا القول، وهي أنها في الزكاة المفروضة، وعلى هذا نسخ منها الوالدن ومن جرى مجراهما من الأقربين، وقال ابن جريج: هي ندب، والزكاة غير هذا الإنفاق، فعلى هذا لا نسخ فيها.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أن الصبر على النفقة وبذل المال هو من أعظم ما تحلى به المؤمن، وهو من أقوى الأسباب الموصلة إلى الجنة، حتى لقد ورد: الصدقة تطفئ غضب الرب.
والضمير المرفوع في: يسألونك، للمؤمنين، والكاف لخطاب النبي صلى الله عليه وسلم)، و: ماذا، يحتمل هنا النصب والرفع، فالنصب على أن: ماذا، كلها استفهام، كأنه قال: أي شيء ينفقون؟ فماذا منصوب بينفقون، والرفع على أن: ما. وحدها هي الاستفهام، وذا موصولة بمعنى الذي، وينفقون صلة لذا، والعائد محذوف، التقدير: ما الذي ينفقون به؟ فتكون: ما، مرفوعة بالابتداء، وذا بمعنى الذي خبره، وعلى كلا الإعرابين فيسألونك معلق، فهو عامل في المعنى دون اللفظ، وهو في موضع المفعول الثاني ليسألونك، ونظيره ما تقدم من قوله: * (سل بنى إسراءيل كم آتيناهم من آية * بينه) * على ما شرحناه هناك.
و: ماذا، سؤال عن المنفق، لا عن المصرف وكأن في الكلام حذفا تقديره: ولمن يعطونه؟ ونظير الآية في السؤال والتعليق. قول الشاعر:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول إلا أن: ماذا، هنا مبتدأ، وخبر، ولا يجوز أن يكون مفعولا بيحاول، لأن بعده:
أنحب فيقضى، أم ضلال وباطل ويضعف أن يكون: ماذا كله مبتدأ، و: يحاول، الخبر لضعف حذف العائد المنصوب من خبر المبتدأ دون الصلة، فإن حذفه منها فصيح، وذكر ابن عطية: أن: ماذا، إذا كانت اسما مركبا فهي في موضع نصب، إلا ما جاء من قول الشاعر:
* وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا * سوى أن يقولوا: إنني لك عاشق