متعلقيهما إن كانا بمعنى واحد، فالاختلاف بالنسبة إلى صفتي الرزق والعطاء في الآخرة، فبغير حساب في التفضل المحض، وعطاء حسابا في الجزاء المقابل للعمل، أو بالنسبة إلى اختلاف طرفيهما: فبغير حساب في الدنيا إذ يرزق الكافر والمؤمن ولا يحاسب المرزوقين عليه، وفي الآخرة يحاسب، أو بالنسبة إلى اختلاف من قاما به، فبغير حساب الله تعالى وهو حال منه، أي: يرزق ولا يحاسب عليه، أو ولا يعد عليه، وحسابا صفة للعطاء، فقد اختلف من جهة من قاما به، وزال بذلك التعارض.
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة من أواخر أقوال الحج وأفعاله الأمر بذكر الله في أيام معدودات، أي: قلائل، ودل الذكر على الرمي وإن لم يصرح به، لأن الذكر المأمور به في تلك الأيام هو عند الرمي، ودل الأمر على مشروعية في أيام، وهو: جمع، ثم رخص في التعجيل عند انقضاء يومين منها، فسقط الذكر المختص به اليوم الثالث، وأخبر أن حال المتعجل والمتأخر سواء في عدم الإثم، وإن كان حال من تأخر أفضل، وكان بعض الجاهلية يعتقد أن من تعجل أثم، وبعضهم يعتقد أن من تأخر أثم، فلذلك أخبر أن الله رفع الإثم عنهما، إذ كان التعجل والتأخر مما شرعه الله تعالى، ثم أخبر أن ارتفاع الإثم لا يكون إلا لمن اتقى الله تعالى.
ثم أمر بالتقوى، وتكرار الأمر بها في الحج، ثم ذكر الحامل على التلبس بالتقوى، وهو كونه تعالى شديد العقاب لمن لم يتقه، ثم لما كانت التقوى تنقسم إلى من يظهرها بلسانه وقلبه منطو على خلافها، وإلى من تساوى سريرته وعلانيته في التقوى، قسم الله تعالى ذلك إلى قسمين، فقال: * (ومن الناس من يعجبك قوله فى الحيواة الدنيا) * أي: يؤنقك ويروق لفظه، يحسن ما يأتي به من الموافقة والطواعية ظاهرا، ثم لا يكتفي بما زور ونمق من كلامه اللطيف حتى يشهد الله على ما في قلبه من ذلك، فيحلف بالله أن سريرته مثل علانيته، وهو إذا خاصم كان شديد الخصومة، وإذا خرج من عندك تقلب في نواحي الأرض، ثم ذكر تعالى سبب سعيه وأنه للإفساد مطلقا، وليهلك الحرث والنسل اللذين هما قوام الوجود، ثم أخبر تعالى أنه لا يحب الفساد، فهذا المتولي الساعي في الأرض يفعل ما لا يحبه الله ولا يرضاه، ثم ذكر أنه من شدة الشكيمة في النفاق إذا أمر بتقوى الله تعالى استولت عليه الأنفة والغضب بالإثم. أي: مصحوبا بالإثم فليس غضبه لله. إنما هو لغير الله، فلذلك استصحبه الإثم.
ثم ذكر تعالى ما يؤول إليه حال هذا الآنف المغتر بغير الله، وهو جهنم، فهي كافية له، ومبدلته بعد عزه ذلا، ثم ذم تعالى ما مهد لنفسه من جهنم، وبئس الغاية الذم، ثم ذكر تعالى القسم المقابل لهذا القسم، وهو: من باع نفسه في طلاب رضى الله تعالى، واكتفى بهذا الوصف الشريف، إذ دل على انطوائه على جميع الطاعات والانقيادات، إذ صار عبد الله يوجد حيث رضي الله تعالى، ثم ذكر تعالى أن من كان بهذه المثابة رأف الله به ورحمه، ورأفة الله به تتضمن اللطف به والإحسان إليه بجميع أنواع الإحسان، وذكر الرأفة التي هي، قيل: أرق من الرحمة.
ثم نادى المؤمنين بقوله: * (ذلك بأن الذين كفروا) * وأمرهم بالدخول في الإسلام، وثنى بالنهي، لأن الأمر أشق من النهي، لأن الأمر فعل والنهي ترك، ولمجاورته قوله: * (ومن الناس من يشرى نفسه) * فصار نظير: * (يوم تبيض وجوه * فى وجوه) * فأما الذين اسودت وجوهم) * ولما نهاهم تعالى عن اتباع خطوات الشيطان، وهي: سلوك معاصي الله، أخبر أنه إن زلوا من بعد ما أتتهم البينات الواضحة النيرة التي لا ينبغي أن يقع الزلل معها، لأن في ايضاحها ما يزيل اللبس، فاعلموا أن الله عزيز لا يغالب، حكيم يضع الأشياء مواضعها، فيجازي على الزلل بعد وضوح الآيات التي تقتضي الثبوت في الطاعة بما يناسب ذلك الزلل، فدل بعزته على القدرة، وبحكمته على جزاء العاصي والطائع: * (*) * ولما نهاهم تعالى عن اتباع خطوات الشيطان، وهي: سلوك معاصي الله، أخبر أنه إن زلوا من بعد ما أتتهم البينات الواضحة النيرة التي لا ينبغي أن يقع الزلل معها، لأن في ايضاحها ما يزيل اللبس، فاعلموا أن الله عزيز لا يغالب، حكيم يضع الأشياء مواضعها، فيجازي على الزلل بعد وضوح الآيات التي تقتضي الثبوت في الطاعة بما يناسب ذلك الزلل، فدل بعزته على القدرة، وبحكمته على جزاء العاصي والطائع: * (ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى) *.
ثم أعرض تعالى عن خطابهم، وأخبر عنهم إخبار الغائبين، مسليا لرسوله عن تباطئهم في الدخول في الإسلام، فقال: ما ينتظرون إلا قيام الساعة يوم فصل الله بين العباد، وقضاء الأمر، ورجوع جميع الأمور إليه، فهناك تظهر ثمرة ما جنوا على أنفسهم، كما جاء في الحديث: (إن يوم القيامة يأتيهم الله في صورة) كذا، على ما يليق بتقديسه عن جميع ما يشبه المخلوقين، وننزهه عما يستحيل عليه من سمات الحدوث وصفات النقص.
ثم قال تعالى: * (سل بنى إسراءيل) * منبها على أن من أرسل إليهم الأنبياء، وظهرت لهم المعجزات الإعراض