تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١٦٣
عليه، وفي الآخرة فلا يبقى لها ثمرة يرتجي بها غفرانا لما اجترح، بل مآله إلى النار خالدا فيها.
ثم لما ذكر حال المرتد عن دينه، ذكر حال من آمن بالله وثبت على إيمانه، وهاجر من وطنه الذي هو محل الكفر إلى دار الإسلام، ثم جاهد في سبيل الله من كفر بالله، وأنه طامع في رحمة الله.
ثم ذكر تعالى أنه غفور لما وقع منه قبل ا لإيمان ولما يتخلل في حالة الإيمان من بعض المخالفة، وأنه رحيم له، فهو يحقق له ما طمع فيه من رحمته.
2 (* (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهمآ إثم كبير ومنافع للناس وإثمهمآ أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذالك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون * فى الدنيا والا خرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شآء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم * ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولائك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون * ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النسآء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين * نسآؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لانفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين) *)) 2 الخمر: هي المعتصر من العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد، سمى بذلك من خمر إذا ستر، ومنه خمار المرأة، وتخمرت واختمرت، وهي حسنة الخمرة، والخمر ما واراك من الشجر وغيره، ودخل في خمار الناس وغمارهم أي: في مكان خاف. وخمر فتاتكم، وخامري أم عامر، مثل الأحمق، وخامري حضاجر أتاك ما تحاذر، وحضاجر اسم للذكر والأنثى من السباع، ومعناه: ادخلي الخمر واستتري.
فلما كانت تستر العقل سميت بذلك، وقيل: لأنها تخمر: أي تغطي حتى تدرك وتشتد.
وقال ابن الأنباري: سميت بذلك لأنها تخامر العقل أي: تخالطه، يقال: خامر الداء خالط، وقيل: سميت بذلك لأنها تترك حين تدرك، يقال: اختمر العجين بلغ إدراكه، وخمر الرأي تركه حتى يبين فيه الوجه، فعلى هذه الاشتقاقات تكون مصدرا في الأصل وأريد بها اسم الفاعل أو اسم المفعول.
الميسر: القمار، وهو مفعل من: يسر، كالموعد من وعد، يقال يسرت الميسر أي قامرته، قال الشاعر:
* لو تيسرون بخيل قد يسرت بها * وكل ما يسر الأقوام مغروم * واشتقاقه من اليسر وهو السهولة، أو من اليسار لأنه يسلب يساره، أو من يسر الشيء إذا وجب، أو من يسر إذا جزر والياسر الجازر، وهو الذي يجزئ الجزور أجزاء، قال الشاعر:
* أقول لهم بالشعب إذ تيسرونني * ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم؟
* وسميت الجزور التي يسهم عليها ميسرا لأنها موضع اليسر، ثم قيل للسهام: ميسر للمجاورة، واليسر، الذي
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»