التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ٩١
الحلقة الأولى دليل عليه * (أفرأيتم ما تمنون) * هذه الآية وما بعدها تتضمن إقامة براهين على الوحدانية وعلى البعث وتتضمن أيضا وعيد وتعديد نعم ومعنى تمنون تقذفون المني في رحم المرأة * (أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) * هذا توقيف يقتضي أن يجيبوا عليه بأن الله هو الخالق لا إله إلا هو * (نحن قدرنا بينكم الموت) * أي جعلناه مقدرا بآجال معلومة وأعمار منها طويل وقصير ومتوسط " وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون " المسبوق على الشئ هو المغلوب عليه بحيث لا يقدر عليه ونبدل أمثالكم معناه نهلككم ونستبدل قوما غيركم وقيل نمسخكم قردة وخنازير وننشئكم معناه نبعثكم بعد هلاككم وفيما لا تعلمون معناه ننشئكم في خلقة لا تعلمونها على وجه لا تصل عقولكم إلى فهمه فمعنى الآية أن الله قادر على أن يهلكهم وعلى أن يبعثهم ففيها تهديد واحتجاج على البعث * (فلولا تذكرون) * تحضيض على التذكير والاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الآخرة وفي هذا دليل على صحة القياس * (أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) * المراد بالزراعة هنا إنبات ما يزرع وتمام خلقته لأن ذلك مما انفرد الله به ولا يدعيه غيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم زرعت ولكن يقول حرثت والمراد بالحرث قلب الأرض وإلقاء الزريعة فيها وقد يقال لهذا زرع ومنه قوله يعجب الزراع * (لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون) * الحطام اليابس المفتت وقيل معناه تبن بلا قمح فظلتم تفكهون أي تطرحون الفاكهة وهي المسرة يقال رجل فكه إذا كان مسرورا منبسط النفس ويقال تفكه إذا زالت عنه الفكاهة فصار حزينا لأن صيغة تفاعل تأتي لزوال الشئ كقولهم تحرج وتأثم إذا زال عنه الحرج والإثم فالمعنى صرتم تحزنون على الزرع لو جعله الله حطاما وقد عبر بعضهم عن تفكهون بأن معناه تتفجعون وقيل تدمون وقيل تعجبون وهذه معان متقاربة والأصل ما ذكرنا * (إنا لمغرمون بل نحن محرومون) * تقديره تقولون ذلك لو جعل الله زرعكم حطاما والمغرم المعذب لأن الغرام هو أشد العذاب ويحتمل أن يكون من الغرم أي مثقلون بما غرمنا من النفقة على الزرع والمحروم الذي حرمه الله الخير * (من المزن) * هي السحاب والأجاج الشديد الملوحة فإن قيل لم ثبتت اللام في قوله لو نشاء لجعلناه حطاما وسقطت في قوله لو نشاء جعلناه أجاجا فالجواب من وجهين أحدهما أنه أغنى إثباتها أولا عن إثباتها ثانيا مع قرب الموضعين والآخر أن هذه اللام تدخل للتأكيد فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن الطعام أوكد من الشراب لأن الإنسان لا يشرب إلا بعد أن يأكل * (النار التي تورون) * أي تقدحونها من الزناد والزناد قد يكون من حجرين ومن حجر وحديده ومن شجر وهو المرخ والعصار ولما كانت عادة العرب في زنادهم من شجر قال الله تعالىءأنتم أنشأتم شجرتها أي الشجرة التي تزند
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»