التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ٩٢
النار منها وقيل أراد بالشجرة نفس النار كأنه يقول نوعها أو جنسها فاستعار الشجرة لذلك وهذا بعيد * (نحن جعلناها تذكرة) * أي تذكر بنار جهنم * (ومتاعا للمقوين) * المتاع ما يتمتع به ويحتمل المقوين أن يكون من الأرض القواء وهي القيا في ومعنى المقوين الذين دخلوا في القواء ولذلك عبر ابن عباس عنه بالمسافرين ويحتمل أن يكون من قولهم أقوى المنزل إذا خلا فمعناه الذين خلت بطونهم أو موائدهم من الطعام ولذلك عبر بعضهم عنه بالجائعين * (فلا أقسم بمواقع النجوم) * لا في هذا الموضع وأمثاله زئداة وكأنها زيدت لتأكيد القسم أو لاستفتاح الكلام نحو ألاوقير هي نافية لكلام الكفار كأنه يقول لا صحة لما يقول الكفار وهذا ضعيف والأول أحسن لأن زيادة لا كثيرة معروفة في كلام العرب ومواقع النجوم فيه قولان أحدهما قال ابن عباس إنها نجوم القرآن إذ نزل على النبي صلى الله عليه وسلم مقطعا بطول عشرين سنة فكل قطعة منه نجم والآخر قول كثير من المفسرين أن النجوم الكواكب ومواقعها مغاربها ومساقطها وقيل مواضعها من السماء وقيل انكدارها يوم القيامة * (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) * هذه جملة اعتراض بين القسم وجوابه وقوله لو تعلمون اعتراض بين الموصوف وصفته فهو اعتراض في اعتراض والمقصود بذلك تعظيم المقسم به وهو مواقع النجوم وجواب القسم إنه لقرآن كريم وأعاد الضمير على القرآن لأنه المعنى يقتضيه أو لأنه مذكور على قول من قال إن مواقع النجوم نزول القرآن * (في كتاب مكنون) * أي مصون والمراد بهذا االكتاب المكنون المصاحف التي كتب فيها القرآن أو صحف القرآن التي بأيدي الملائكة عليهم لسلام * (لا يمسه إلا المطهرون) * الضمير يعود على الكتاب المكنون ويحتمل أن يعود على القرآن المذكور قبله إلا أن هذا ضعيف لوجهين أحدهما أن مس الكتاب حقيقة ومس القرآن مجاز والحقيقة أولى من المجاز والآخر أن الكتاب أقرب والضمير يعود على أقرب مذكور فإذا قلنا إنه يعود على الكتاب المكنون فإن قلنا إن الكتاب المكنون هو الصحف التي بأيدي الملائكة فالمطهرون يراد بهم الملائكة لأنهم مطهرون من الذنوب والعيوب والآية إخبار بأنه لا يمسه إلا هم دون غيرهم وإن قلنا إن الكتاب المكنون هو الصحف التي بأيدي الناس فيحتمل أن يريد بالمطهرين المسلمين لأنهم مطهرون من الكفر أو يريد المطهرين من الحدث الأكبر وهي الجنابة أو الحيض فالطهارة على هذا الاغتسال أو المطهرين من الحدث الأصغر فالطهارة على هذا الوضوء ويحتمل أن يكون قوله لا يمسه خبرا أو نهيا على أنه قد أنكر بعض الناس أن يكون نهيا وقال لو كان نهيا لكان بفتح السين وقال المحققون إن النهي يصح مع ضم السين لأن الفعل المضاعف إذا كان مجزوما أو اتصل به ضمير االمفرد المذكر ضم عند التقاء الساكنين اتباعا لحركة الضمير وإذا جعلناه خبرا فيحتمل أن يقصد به مجرد الإخبار أو يكون خبرا بمعنى النهي وإذا كان لمجرد الإخبار فالمعنى أنه لا ينبغي أن يمسه إلا المطهرون أي هذا حقه وإن وقع خلاف ذلك واختلف الفقهاء فيمن يجوز له مس المصحف على حسب الاحتمالات في الآية فأجمعوا على أنه لا يجوز أن لا يمسه كافر لأنه إن أراد بالمطهرين المسلمين فذلك ظاهر وإن أراد الطهارة من الحدث فالإسلام حاصل مع ذلك وأما الحدث ففيه ثلاثة أقوال الأول أنه لا يجوز أن يمسه الجنب ولا الحائض ولا المحدث حدثا أصغر وهو
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»