في ست أيات من أول سورة الحديد وروى أن الدعاء عند قراءتها مستجاب سورة الحديد * (سبح لله ما في السماوات والأرض) * هذا التسبيح المذكور هنا وفي أوائل سائر السور المسبحات يحتمل أن يكون حقيقة أو أن يكون بلسان الحال لأن كل ما في السماوات والأرض دليل على وجود الله وقدرته وحكمته والأول أرجح لقوله ولكن لا تفقهون تسبيحهم وذكر التسبيح هنا وفي الحشر والصف بلفظ الماضي وفي الجمعة والتغابن بلفظ المضارع وكل واحد منهما يقتضي الدوام * (هو الأول والآخر) * أي ليس لوجوده بداية ولا لبقائه نهاية * (والظاهر والباطن) * أي الظاهر للعقول بالأدلة والبراهين الدالة على الباطن الذي لا تدركه الأبصار أو الباطن الذي لا تصل العقول إلى معرفة كنه ذاته وقيل الظاهر العالي على كل شئ فهو من قولك ظهرت على الشئ إذا علوت عليه والباطل الذي بطن كل شئ أي علم باطنه والأول أظهر وأرجح ودخلت الواو بين هذه الصفات لتدل على أنه تعالى جامع لها مع اختلاف معانيها وفي ذلك مطابقة لفظية وهي من أحسن أدوات البيان * (ثم استوى على العرش) * قد ذكروا كذلك ما بعده " وهو معكم أينما كنتم " يعني أنه حاضر مع كل أحد بعلمه وإحاطته وأجمع العلماء على تأويل هذه الآية بذلك * (يولج الليل) * ذكر في الحج ولقمان * (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) * يعني الإنفاق في سبيل الله وطاعته وروى أنها نزلت في الإنفاق في غزوة تبوك وعلى هذا روى أن قوله * (فالذين آمنوا منكم وأنفقوا) * نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه فإنه جهز جيش العسرة يومئذ ولفظ الآية مع ذلك عام وحكمها باق لجميع الناس وقوله مستخلفين فيه يعني أن الأموال التي بأيديكم إنما هي أموال الله لأنه خلقها ولكنه متعكم بها وجعلكم خلفاء بالتصرف فيها فأنتم فيها بمنزلة الوكلاء فلا تمنعوها من الإنفاق فيما أمركم مالكها أن تنفقوها فيه ويحتمل أن يكون جعلكم مستخلفين عمن كان قبلكم فورثتم عنه الأموال فأنفقوها قبل أن تخلفوها لمن بعدكم كما خلفها لكم من كان قبلكم والمقصود على كل وجه تحريض على الإنفاق وتزهيد في الدنيا * (وما لكم لا تؤمنون بالله) * معناه أي شئ يمنعكم من الإيمان والرسول يدعوكم إليه بالبراهين القاطعة
(٩٥)