التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ١٨٤
المكيال والميزان بأن يزيد الإنسان على حقه أو ينقص من حق غيره وسبب نزول السورة أنه كان بالمدينة رجل يقال له أبو جهينة له مكيالان يأخذ بالأوفى ويعطي بالأنقص فالسورة على هذا مدنية وقيل مكية لذكر أساطير الأولين وقيل نزل بعضها بمكة ونزل أمر التطفيف بالمدينة إذ كانوا أشد الناس فسادا في هذا المعنى فأصلحهم الله بهذه السورة * (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون) * معنى اكتالوا على الناس قبضوا منهم بالكيل فعلى بمعنى من وإنما أبدلت منها لما تضمن الكلام من معنى التحامل عليهم ويجوز أن يتعلق على الناس بيستوفون وقدم المفعول لإفادة التخصيص * (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) * معنى يخسرون ينقصون حقوق الناس وهو من الخسارة يقال خسر الرجل وأخسره غيره إذا جعله يخسر وكالوهم معناه كالوا لهم أو وزنوهم معناه وزنوا لهم ثم حذف حرف الجر فانتصب المفعول لأن هذين الفعلين يتعدى كل واحد منهما تارة بنفسه وتارة بحرف الجر يقال كلتك وكلت لك ووزنتك ووزنت لك بمعنى واحد وحذف المفعول الثاني وهو المكيل والموزون والواو التي هي ضمير الفاعل للمطففين والهاء الذي هي ضمير المفعول للناس فالمعنى إذا كالوا أو وزنوا لهم طعاما أو غيره مما يكال أو يوزن يخسرونهم حقوقهم وقيل إن هم في كالوهم أو وزنوهم تأكيد للضمير الفاعل وروى عن حمزة أنه كان يقف على كالوا ووزنوا ثم يبتدئ هم ليبين هذا المعنى وهو ضعيف من وجهين أحدهما أنه لم يثبت في المصحف ألف بعد الواو في كالوا ووزنوا فدل ذلك على أن هم ضمير المفعول والآخر أن المعنى على هذا أن المطففين إذا تولوا الكيل أو الوزن نقصوا وليس ذلك بمقصود لأن الكلام واقع في الفعل لا في المباشر ألا ترى أن اكتالوا على الناس معناه قبضوا منهم وكالوهم ووزنوهم معناه دفعوا لهم فقابل القبض بالدفع وأما على هذا الوجه الضعيف فهو خروج عن المقصود قال ابن عطية ظاهر الآية أن الكيل والوزن على البائعين وليس ذلك بالجلى قال صدر الآية في المشترين فهم الذين يستوفون أو يشاحون ويطلبون الزيادة وقوله وإذا كالوهم أو وزنوهم في البائعين فهم الذين يخسرون المشتري * (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم) * يعني يوم القيامة وهذا تهديد للمطففين وإنكار لفعلهم وكان عبد الله بن عمر إذا مر بالبائع يقول له اتق الله وأوف الكيل فإن المطففين يوقفون يوم القيامة لعظمة الرحمن * (يوم يقوم الناس لرب العالمين) * الظرف منصوب بقوله مبعوثون وقيل بفعل مضمر أو بدل من يوم عظيم وقيام الناس يوم القيامة على حسب اختلافهم فمنهم من يقوم خمسين ألف سنة وأقل من ذلك حتى أن المؤمن يقوم على قدر صلاة مكتوبة * (كلا) * ردع عن التطفيف أو افتتاح كلام * (إن كتاب الفجار لفي سجين) * كتاب الفجار هو ما يكتب من أعمالهم والفجار هنا يحتمل أن يريد به الكفار أو المطففين وإن كانوا مسلمين والأول أظهر لقوله بعد هذا ويل يومئذ للمكذبين وسجين اسم علم منقول من صفة على وزن فعيل للمبالغة وقد عظم أمره بقوله وما أدراك ما سجين ثم فسره بأنه كتاب مرقوم أي مسطور بين الكتابين وهو كتاب جامع يكتب فيه أعمال الشياطين والكفار والفجار وهو مشتق من السجن بمعنى الحبس لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم ولأنه في مكان الهوان والعذاب كالسجن فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في الأرض السفلى وروى
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»