التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ١٨١
فالقول الأول والثاني أليق بالأصل والأول والثالث موافق لقوله فجرت * (وإذا النفوس زوجت) * فيه ثلاثة أقوال أحدها أن التزويج بمعنى التنويع لأن الأزواج هي الأنواع فالمعنى جعل الكافر مع الكافر والمؤمن مع المؤمن والثاني زوجت نفوس المؤمنين بزوجاتهم من الحور العين والثالث زوجت الأرواح والأجساد أي ردت إليها عند البعث والأول هو الأرجح لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب وابن عباس " وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت " الموؤودة هي البنت التي كان بعض العرب يدفنها حية من كراهته لها ومن غيرته عليها فتسأل يوم القيامة بأي ذنب قتلت على وجه التوبيخ لقاتلها وقرأ ابن عباس " وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت " بضم القاف وسكون اللام وضم التاء واستدل ابن عباس بهذه الآية على أن أولاد المشركين في الجنة لأن الله ينتصر لهم ممن ظلمهم * (وإذا الصحف نشرت) * هي صحف الأعمال تنشر ليقرأ كل أحد كتابه وقيل هي الصحف التي تتطاير بالأيمان والشمائل بالجزاء * (وإذا السماء كشطت) * الكشط هو التقشير كما يكشط جلد الشاة حين تسلخ وكشط السماء هو طيها كطي السجل قاله ابن عطية وقيل معناه كشفت وهذا أليق بالكشط " وإذا االجحيم سعرت " أي أو قدت وأحميت * (وإذا الجنة أزلفت) * أي قربت * (علمت نفس ما أحضرت) * هذا جواب إذا المكررة في المواضع قبل هذا ومعناه علمت كل نفس ما أحضرت من عمل فلفظ النفس مفرد يراد به الجنس والعموم وقال ابن عطية إنما أفردها ليبين حقارتها وذلتها وقال الزمخشري هذا من عكس كلامهم الذي يقصد به الإفراط فيما يعكس عنه كقوله * (ربما يود الذين كفروا) * ومعناه التكثير وكذلك هنا معناه أعم الجموع * (ما أحضرت) * عبارة عن الحسنات والسيآت * (فلا أقسم) * ذكرت نظائره * (بالخنس الجوار الكنس) * يعني الدراري السبعة وهي الشمس والقمر وزحل وعطارد واالمريخ والمشتري والزهرة وذلك أن هذه الكواكب تخنس في جريها أي تتقهقر فيكون النجم في البرج ثم يكر راجعا وهي جواري في الفلك وهي تنكنس في أبراجها أي تستتر وهو مشتق من قولك كنس الوحش إذا دخل كناسه وهو موضعه وقيل يعني الدراري الخمسة لأنها تستتر بضوء الشمس وقيل يعني النجوم كلها لأنها تخنس في جريها وتنكس بالنهار أي تستتر وتختفي بضوء الشمس وقيل يعني بقر الوحش فالخنس على هذا من خنس الأنف والكنس من سكناها في كناسها * (والليل إذا عسعس) * يقال عسعس الليل إذا كان غير مستحكم الظلام فقيل ذلك في أوله وقيل في آخره وهذا أرجح لأن آخر الليل أفضل ولأنه أعقبه بقوله * (والصبح إذا تنفس) * أي استطار واتسع ضوؤه * (إنه لقول رسول كريم) * الضمير للقرآن والرسول الكريم جبريل وقيل محمد صلى الله عليه وسلم قال السهبلي لا يجوز أن يقال إنه محمد عليه السلام لأن الآية نزلت في الرد على الذين قالوا إن محمدا قال القرآن فكيف يخبر الله أنه قوله وإنما أراد جبريل وأضاف القرآن إليه لأنه جاء به وهو في الحقيقة قول الله تعالى وهذا الذي قال السهبلي لا يلزم فإنه قد يضاف إلى محمد صلى الله عليه وسلم لأنه تلقاه عن جبريل عليه السلام وجاء به إلى الناس ومع ذلك فالأظهر أنه جبريل لأنه وصفه بقوله ذي قوة وقد وصف جبريل
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»