التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ١٢٨
على التأويل الثاني في المرتابة وهي التي غابت عنها الحيضة وهي في سن من تحيض وقد اختلف العلماء في عدتها على ثلاثة أقوال أحدها أنها ثلاثة أشهر خاصة حسبما تقتضيه الآية على هذا التأويل والآخر أنها ثلاثة أشهر بعد تسعة أشهر تستبرئ بها أمد الحمل وهذا مذهب مالك وقدوته في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه والثالث أنها تعتد بالأقراء ولو بقيت ثلاثين سنة حتى تبلغ سن من لا تحيض وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * هذه الآية عند مالك والشافعي وأبي حنيفة وسائر العلماء عامة في المطلقات والمتوفي عنهن فمتى كانت إحداهن حاملا فعدتها وضع حملها وقال علي بن أبي طالب وابن عباس إنما هذه الآية في المطلقات الحوامل فهن اللاتي عدتهن وضع حملهن وأما المتوفي عنها إذا كانت حاملا فعدتها عندهما أبعد الأجلين إما الوضع أو انقضاء الأربعة الأشهر وعشرا فحجة الجمهور حديث سبيعة الأسلمية أنها كانت زوجا لسعد بن خولة فتوفى عنها في حجة الوداع وهي حبلى فلما وضعت خطبها أبو السنابل بن بعكك فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها انكحي من شئت وقد ذكر أن ابن عباس رجع إلى هذا الحديث لما بلغه ولو بلغ عليا رضي الله عنه لرجع إليه وقال عبد الله بن مسعود إن هذه الآية التي نزلت في سورة النساء القصري يعني سورة الطلاق نزلت بعد الآية التي في البقرة * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * فهي مخصصة لها حسبما قاله جمهور العلماء * (أسكنوهن من حيث سكنتم) * أمر الله بإسكان المطلقة طول العدة فأما المطلقة غير المبتوتة فيجب لها على زوجها السكنى والنفقة باتفاق وأما المبتوتة ففيها ثلاثة أقوال أحدها أنها يجب لها السكنى دون النفقة وهو مذهب مالك والشافعي والثاني يجب لها السكنى والنفقة وهو مذهب أبي حنيفة والثالث أنها ليس لها سكنى ولا نفقة فحجة مالك حديث فاطمة بنت قيس وهو أن زوجها طلقها البتة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لك عليه نفقة فيؤخذ من هذا أن لها السكنى دون النفقة وحجة من أوجب لها السكنى قول عمر بن الخطاب لا ندع آية من كتاب ربنا لقول امرأة إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لها السكنى والنفقة وحجة من لا يجعل لها لا سكنى ولا نفقة أن في بعض الروايات عنها أنها قالت لم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى وقوله * (من حيث سكنتم) * معناه أسكنوهن مكانا من بعض مساكنكم فمن للتبعيض ويفسر ذلك قول قتادة لو لم يكن له إلا بيت واحد أسكنها في بعض جوانبه * (من وجدكم) * الوجد هو الطاقة والسعة في المال فالمعنى أسكنوهن مسكنا مما تقدرون عليه وإعرابه عطف بيان لقوله حيث سكنتم ويجوز في الوجد ضم الواو وفتحها وكسرها وهو بمعنى واحد والضم أكثر وأشهر * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) * اتفق العلماء على وجوب النفقة في العدة للمطلقة الحامل عملا بهذه الآية سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا واتفقوا على أن للمطلقة غير الحامل النفقة في العدة إذا كان الطلاق رجعيا فإن كان بائنا فاختلفوا في نفقتها حسبما ذكرناه وأما
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»