التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ١٣١
الله وذلك قلة أدب على منصب النبوة " قد فرض الله لكل تحلة أيمانكم " التحلة هي الكفارة وأحال تعالى هنا على ما ذكر في سورة المائدة من صفتها واختلف في المراد بها هنا فأما على قول من قال إن الآية نزلت في تحريم الجارية فاختلف في ذلك فمن قال إن التحريم يلزم فيه كفارة يمين استدل بها ومن قال إن التحريم يلزم فيه طلاق قال إن الكفارة هنا إنما هي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف وقال والله لاأطؤها أبدا واما على القول بأن الآية نزلت في تحريم العسل فاختلف أيضا فمن أوجب في تحريم الطعام كفارة قال هذه الكفارة للتحريم ومن قال لا كفارة فيه قال إنما هذه الكفارة لأنه حلف ألا يشربه وقيل هي في يمينه عليه السلام أن لا يدخل على نسائه شهرا * (والله مولاكم) * يحتمل أن يكون المولى بمعنى الناصر أو بمعنى السيد الأعظم * (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) * اختلف في هذا الحديث على ثلاثة أقوال أحدها أنه تحريم الجارية فإنه لما حرمها قال لحفصة لا تخبري بذلك أحدا والآخر أنه قال إن أبا بكر وعمر يليان الأمر من بعده والثالث أنه قوله شربت عسلا والأول أشهر وبعض أزواجه حفصة * (فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض) * كانت حفصة قد أخبرت عائشة بما أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحريم الجارية فأخبر الله رسوله عليه السلام بذلك فعاقب حفصة على إفشائها لسره فطلقها ثم أمره الله بمراجعتها فراجعها وقيل لم يطلقها فقوله فلما نبأت به حذف المفعول وهو عائشة وقوله وأظهره الله عليه أي أطلعه على إخبارها به وقوله عرف بعضه أي عاتب حفصة على بعضه وأعرض عن بعض حياء وتكريما فإن من عادة الفضلاء التغافل عن الزلات والتقصير في العتاب وقرئ عرف بالتخفيف من المعرفة * (فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا) * أي لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بأنها قد أفشت سره ظنت بأن عائشة هي التي أخبرته فقالت له من أنبأك هذا فلما أخبرها أن الله هو الذي أنبأه سكتت وسلمت * (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) * هذا خطاب لعائشة وحفصة وتوبتهما مما جرى منهما في قصة تحريم الجارية أو العسل ومعنى صغت أي مالت عن الصواب وقرأ ابن مسعود زاغت والمعنى إن تتوبا إلى الله فقد صدر منكما ما يوجب التوبة * (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه) * المعنى إن تعاونتما عليه صلى الله عليه وسلم بما يسوؤه من إفراط الغيرة وإفشاء سره ونحو ذلك فإن له من ينصره ومولاه هنا يحتمل أن يكون بمعنى السيد الأعظم فيوقف على مولاه ويكون جبريل مبتدأ وظهير خبره وخبر ما عطف عليه ويحتمل أن يكون المولى هنا بمعنى الولي الناصر فيكون جبريل معطوف فيوصل مع ما قبله ويوقف على صالح المؤمنين ويكون الملائكة مبتدأ أو ظهير خبره وهذا أظهر وأرجح لوجهين أحدهما أن معنى الناصر أليق بهذا الموضع فإن ذلك كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم وتشريفا له وأما إذا كان بمعنى السيد فذلك يشترك فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع غيره لأن الله تعالى مولى جميع خلقه بهذا المعنى فليس في ذلك إظهار مزية له الوجه الثاني أنه ورد في الحديث الصحيح أنه لما وقع ذلك جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل معك وأبو بكر معك وأنا معك فنزلت الآية موافقة لقول عمر فقوله يقتضي معك النصرة * (وصالح المؤمنين) * اختلف في صالح هل هو مفرد أو جمع محذوف النون
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»