التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ١٣٠
عظم الجرم وكثرة العمار وغير ذلك والأول أرجح * (يتنزل الأمر بينهن) * يحتمل أن يريد بالأمر الوحي أو أحكام الله وتقديره لخلقه سورة التحريم * (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * في سبب نزولها روايتان أحدهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يوما إلى بيت زوجه حفصة بنت عمر بن الخطاب فوجدها قد مرت لزيارة أبيها فبعث إلى جاريته مارية فجامعها في البيت فجاءت حفصة فقالت يا رسول الله ما كان في نسائك أهون عليك مني أتفعل هذا في بيتي وعلى فراشي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مترضيا لها أيرضيك أن أحرمها قالت نعم فقال إني قد حرمتها والرواية الأخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على زوجه زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا فاتفقت عائشة وحفصة وسودة بنت زمعة على أن تقول له من دنا منها أكلت مغافير والمغافير صمغ العرفط وهو حلو كريه الريح ففعلن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ولكني شربت عسلا فقلن له جرست نحلة العرفط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أشربه أبدا وكان يكره أن توجد منه رائحة كريهة فدخل بعد ذلك على زينب فقالت ألا أسقيك من ذلك فقال لا حاجة لي به فنزلت الآية عتابا له على أن يضيق على نفسه بتحريم الجارية أو تحريم العسل والرواية الأولى أشهر وعليها تكلم الناس في فقه السورة وقد خرج الرواية الثانية البخاري وغيره ولنتكلم على فقه التحريم فأما تحريم الطعام والمال وسائر الأشياء ما عدا النساء فلا يلزم ولا شئ عليه عند مالك وأوجب عليه أبو حنيفة الكفارة وأما تحريم الأمة فإن نوى به العتق لزم وإن لم ينوبه ذلك لم يلزم وكان حكمه ما ذكرنا في الطعام وأما تحريم الزوجة فاختلف الناس فيه على أقوال كثيرة فقال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن عباس وعائشة وغيرهم إنما يلزم فيه كفارة يمين وقال مالك في االمشهور عنه ثلاث تطليقات في المدخول بها وينوي في غير المدخول بها فيحكم بما نوى من طلقه أو اثنتين أو ثلاث وقال ابن الماجشون هي ثلاث في الوجهين وروى عن مالك أنها طلقة بائنة وقيل طلقة رجعية * (تبتغي مرضات أزواجك) * أي تطلب رضا أزواجك بتحريم ما أحل الله لك يعني تحريمه للجارية ابتغاء رضا حفصة وهذا يدل على أنها نزلت في تحريم الجارية وأما تحريم العسل فلم يقصد فيه رضا أزواجه وإنما تركه لرائحته * (والله غفور رحيم) * في هذا إشارة إلى أن الله غفر له ما عاتبه عليه من التحريم على أن عتابه في ذلك إنما كان كرامة له وإنما وقع العتاب على تضييقه عليه السلام على نفسه وامتناعه مما كان له فيه أرب وبئس ما قال الزمخشري في أن هذا كان منه زلة لآنه حرم ما أحل
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»