التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٢ - الصفحة ٤٩
أنزل الله على موسى من التوراة وبكتب الأنبياء ولم يكن يدخر عني شيئا مما كان يعلم فلما حضرته الوفاة دعاني فقال يا بني قد علمت أني لم أكن أدخر عنك شيئا مما كنت أعلم إلا أني حبست عنك ورقتين فيهما ذكر نبي يبعث وقد أظل زمانه فكرهت أن أخبرك بذلك فلا آمن عليك بعد وفاتي أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتتبعه وقد قطعتهما من كتابك وجعلتهما في هذه الكوة التي ترى وطينت عليهما فلا تتعرض لهما ولا تنظرهما زمانك هذا وأقرهما في موضعهما حتى يخرج ذلك النبي فإذا خرج فاتبعه وانظر فيهما فإن الله يزيدك بهذا خيرا فلما مات والدي لم يكن شيء أحب إلي من أن ينقضي المأتم حتى أنظر ما في الورقتين فلما انقضى المأتم فتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين فإذا فيهما محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبييي لا نبي بعده مولده بمكة ومهاجره بطيبة ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويغفر ويصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل شرف وعلى كل حال وتتذلل بالتكبير ألسنتهم وينصر الله نبيهم على كل من ناوأه يغسلون فروجهم بالماء ويأتزرون على أوساطهم وأناجيلهم في صدورهم ويأكلون قربانهم في بطونهم ويؤدرون عليها وتراحمهم بينهم تراحم بني الأم والأب وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم وهم السابقون المقربون والشافعون المشفع لهم فلما قرأت هذا قلت في نفسي والله ما علمني شيئا خيرا لي من هذا فمكثت ما شاء الله حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم وبيني وبينه بلاد بعيدة منقطعة لا أقدر على إتيانه وبلغني أنه خرج في مكة فهو يظهر مرة ويستخفي مرة فقلت هو هذا وتخوفت ما كان والدي حذرني وخوفني من ذكر الكذابين وجعلت أحب أن أتبين وأتثبت فلم أزل بذلك حتى بلغني أنه أتى المدينة فقلت في نفسي إني لأرجو أن يكون إياه وجعلت ألتمس السبيل إليه فلم يقدر لي حتى بلغني أنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت في نفسي لعله لم يكن الذي كنت أظن ثم بلغني أن خليفة قام مقامه ثم لم ألبث إلا قليلا حتى جاءتنا جنوده فقلت في نفسي لا أدخل في هذا الدين حتى أعلم أهم الذين كنت أرجو وأنتظر وأنظر كيف سيرتهم وأعمالهم وإلى ما تكون عاقبتهم فلم أزل أدفع ذلك وأؤخره لأتبين وأتثبت حتى قدم علينا عمر بن الخطاب فلما رايت صلاة المسلمين وصيامهم وبرهم ووفاءهم بالعهد وما صنع الله لهم على الأعداء علمت أنهم هم الذين كنت أنتظر فحدثت نفسي بالدخول في دين الإسلام فوالله إني ذات ليلة فوق سطح إذا برجل من المسلمين يتلو كتاب الله حتى أتى على هذه الآية * (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا) * فلما سمعت هذه الآية خشيت الله ألا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي فما كان شيء أحب إلي من الصباح فغدوت على عمر فأسلمت حين أصبحت وقال كعب لعمر عند انصرافهم إلى الشام يا أمير المؤمنين إنه مكتوب في كتاب الله إن هذه البلاد التي كان فيها بنو إسرائيل وكانوا أهلها مفتوحة على يد رجل من الصالحين رحيم بالمؤمنين شديد على الكافرين سره مثل علانيته وعلانيته مثل سره وقوله لا يخالف فعله والقريب والبعيد عنده في الحق سواء وأتباعه رهبان بالليل وأسد بالنهار متراحمون متواصلون متبادلون فقال له عمر ثكلتك أمك أحق ما تقول قال إي والذي أنزل التوراة على موسى والذي يسمع ما تقول إنه لحق فقال عمر الحمد لله الذي أعزنا وشرفنا وأكرمنا ورحمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم برحمته التي وسعت كل شيء ومن ذلك كتاب فروة بن عمر الجذامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من ملوك العرب
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»