التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٢ - الصفحة ٥٤
بينهما أنه ذكر بني آدم في الآية والمراد آدم كقوله ولقد خلقناكم ثم صورناكم الآية وعلى تأويل لقد خلقنا أباكم آدم من صورته وقال الزمخشري إن المراد ببني آدم أسلاف اليهود والمراد بذريتهم من كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصحيح المشهور أن المراد جمع بني آدم حسبما ذكرناه * (قالوا بلى شهدنا) * قولهم بلى إقرار منهم بأن الله ربهم فإن تقديره أنت ربنا فإن بلى بعد التقرير تقتضي الإثبات بخلاف نعم فإنها إذا وردت بعد الاستفهام تقتضي الإيجاب وإذا وردت بعد التقرير تقتضي النفي ولذلك قال ابن عباس في هذه الآية لو قالوا نعم لكفروا وأما قولهم شهدنا فمعناه شهدنا بربوبيتك فهو تحقيق لربوبية الله وأداء لشهادتهم بذلك عند الله وقيل إن شهدنا من قول الله والملائكة أي شهدنا على بني آدم باعترافهم * (أن تقولوا يوم القيامة) * في موضع مفعول من أجله أي فعلنا ذلك كراهية أن تقولوا فهو من قول الله لا من قولهم وقرئ بالتاء على الخطاب لبني آدم وبالياء على الإخبار عنهم * (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) * قل ابن مسعود هو رجل من بني إسرائيل بعثه موسى عليه السلام إلى ملك مدين داعيا إلى الله فرشاه الملك وأعطاه الملك على أن يترك دين موسى ويتابع الملك على دينه ففعل وأضل الناس بذلك وقال ابن عباس هو رجل من الكنعانيين اسمه بلعم بن باعوراء كان عنده اسم الله الأعظم فلما أراد موسى قتال الكنعانيين وهم الجبارون سألوا من بلعم أن يدعو باسم الله الأعظم على موسى وعسكره فأبى فألحوا عليه حتى دعا عليه ألا يدخل المدينة ودعا عليه موسى فالآيات التي أعطيها على هذا القول هي اسم الله الأعظم وعلى قول ابن مسعود هي ما علمه موسى من الشريعة وقيل كان عنده من صحف إبراهيم وقال عبد الله بن عمرو بن العاص هو أمية بن أبي الصلت وكان قد أوتي علما وحكمة وأراد أن يسلم قبل غزوة بدر ثم رجع عن ذلك ومات كافرا وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم فالآية على هذا ما كان عنده من العلم والانسلاخ عبارة عن البعد والانفصال منها كالانسلاخ من الثياب والجلد * (ولو شئنا لرفعناه بها) * أي لرفعنا منزلته بالآيات التي كانت عنده * (ولكنه أخلد إلى الأرض) * عبارة عن فعله لما سقطت به منزلته عند الله * (فمثله كمثل الكلب) * أي صفته كصفة الكلب وذلك غاية في الخسة والرداءة * (إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) * اللهث هو تنفس بسرعة وتحريك أعضاء الفم وخروج اللسان وأكثر ما يعتري ذلك الحيوانات مع الحر والتعب وهي حالة دائمة للكلب ومعنى إن تحمل عليه إن تفعل معه ما يشق عليه من طرد أو غيره أو تتركه دون أن تحمل عليه فهو يلهث على كل حال ووجه تشبيه ذلك الرجل به أنه إن وعظته فهو ضال وإن لم تعظه فهو ضال فضلالته على كل حال
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»