التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٢ - الصفحة ٤٤
في الطور * (اخلفني) * أي كن خليفتي على بني إسرائيل مدة مغيبي * (قال رب أرني) * لما سمع موسى كلام الله طمع في رؤيته فسألها كما قال الشاعر (وأفرح ما يكون الشوق يوما * إذا دنت الديار من الديار) واستدلت الأشعرية بذلك على أن رؤية الله جائزة عقلا وأنها لو كانت محالا لم يسألها موسى فإن الأنبياء عليهم السلام يعلمون ما يجوز على الله وما يستحيل وتأول الزمخشري طلب موسى المروية بوجهين أحدهما أنه إنما سأل ذلك تبكيتا لمن خرج معه من بني إسرائيل الذين طلبوا الرؤية فقالوا أرنا الله جهرة فقال موسى ذلك ليسمعوا الجواب بالمنع فيتأولوا والآخر أن معنى أرني أنظر إليك عرفني نفسك تعريفا واضحا جليا وكلا الوجهين بعيد والثاني أبعد وأضعف فإنه لو لم يكن المراد الرؤية لم يقل له انظر إلى الجبل الآية * (قال لن تراني) * قال مجاهد وغيره إن الله قال لموسى لن تراني لأنك لا تطيق ذلك ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشد فإن استقر وأطاق الصبر لهيبتي أمكن أن تراني أنت وإن لم يطق الجبل فأحرى ألا تطيق أنت فعلى هذا إنما جعل الله الجبل مثالا لموسى وقال قوم المعنى سأتجلى لك على الجبل وهذا ضعيف يبطله قوله فلما تجلى ربه للجبل فإذا تقرر هذا فقوله تعالى لن تراني نفي الرؤية وليس فيه دليل على أنها محال فإنه إنما جعل علة النفي عدم إطاقة موسى الرؤية لاستحالتها ولو كانت الرؤية مستحيلة لكان في الجواب زجر وإغلاظ كما قال الله لنوح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين فهذا المنع من رؤية الله إنما هو في الدنيا لضعف البنية البشرية عن ذلك وأما في الآخرة فقد صرح بوقوع الرؤية كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا ينكرها إلا مبتدع وبين أهل السنة والمعتزلة في مسئلة الرؤية تنازع طويل وفي هذه القصة قصص كثيرة تركتها لعدم صحتها ولما فيه من الأقوال الفاسدة * (جعله دكا) * أي مدكوكا فهو مصدر بمعنى مفعول كقولك ضربت الأمير والدك والدق أخوان وهو التفتت وقرئ دكاء بالمد والهمز أي أرضا دكا وقيل ذهب أعلى الجبل وبقي أكثره وقيل تفتت حتى صار غبارا وقيل ساخ في الأرض وأفضى إلى البحر * (وخر موسى صعقا) * أي مغشيا عليه * (تبت إليك) * معناه تبت من سؤال الرؤية في الدنيا وأنا لا أطيقها * (وأنا أول المؤمنين) * أي أول قومه أو أهل زمانه أو على وجه المبالغة في السبق إلى الإيمان * (اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي) * هو عموم يراد به الخصوص فإن جميع الرسل قد شاركوه في الرسالة واختلف هل كلم الله غيره من الرسل أم لا والصحيح أنه كلم نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء * (فخذ ما آتيتك) * تأديبا أي اقنع بما أعطيتك من رسالتي وكلامي ولا تطلب غير ذلك * (وكتبنا له في الألواح) * أي ألواح التوراة وكانت سبعة وقيل عشرة
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»