التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٢ - الصفحة ٤٧
طلبوا الرؤية والذين عبدوا العجل فمعنى هذا إدلاء بحجته وتبرؤ من فعل السفهاء ورغبة إلى الله أن لا يعم الجميع بالعقوبة * (إن هي إلا فتنتك) * أي الأمور كلها بيدك * (تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) * ومعنى هذا اعتذار عن فعل السفهاء فإنه كان بقضاء الله ومشيئته * (إنا هدنا إليك) * أي تبنا وهذا الكلام الذي قاله موسى عليه السلام إنما هو استعطاف ورغبة إلى الله وتضرع إليه ولا يقتضي شيئا مما توهم الجهال فيه من الجفاء في قوله أتهلكنا بما فعل السفهاء منا لأنا قد بينا أنه إنما قال ذلك استعطافا لله وبراءة من فعل السفهاء * (قال عذابي أصيب به من أشاء) * قيل الإشارة بذلك إلى الذين أخذتهم الرجفة والصحيح أنه عموم يندرجون فيه مع غيرهم وقرئ من أساء بالسين وفتح الهمزة من الإساءة وأنكرها بعض المقرئين وقال إنها تصحيف " ورحمتي وسعت كل شيء " يحتمل أن يريد رحمته في الدنيا فيكون خصوصا في الرحمة وعموما في كل شيء لأن المؤمن والكافر والمطيع والعاصي تنالهم رحمة الله ونعمته في الدنيا ويحتمل أن يريد رحمة الآخرة فيكون خصوصا في كل شيء لأن الرحمة في الآخرة مختصة بالمؤمنين ويحتمل أن يريد جنس الرحمة على الإطلاق فيكون عموما في الرحمة وفي كل شيء * (فسأكتبها للذين يتقون) * إن كانت الرحمة المذكورة رحمة الآخرة فهي بلا شك مختصة بهؤلاء الذين كتب بها الله لهم وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وإن كانت رحمة الدنيا فهي أيضا مختصة بهم لأن الله نصرهم على جميع الأمم وأعلا دينهم على جميع الأديان ومكن لهم في الأرض ما لم يمكن لغيرهم وإن كانت على الإطلاق فقوله سأكتبها تخصيص للإطلاق * (والذين هم بآياتنا يؤمنون) * أي يؤمنون بجميع الكتب والأنبياء وليس ذلك لغير هذه الأمة * (الذين يتبعون الرسول) * هذا الوصف خصص أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال بعضهم لما قال الله ورحمتي وسعت كل شيء طمع فيها كل أحد حتى إبليس فلما قال فسأكتبها للذين يتقون فيئس إبليس لعنه الله وبقيت اليهود والنصارى * (النبي الأمي) * أي الذي لا يقرأ ولا يكتب وذلك من أعظم دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم كأنه أتى بالعلوم الجمة من غير قراءة ولا كتابة ولذلك قال تعالى " وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون " قال بعضهم الأمي منسوب إلى الأم وقيل إلى الأمة * (الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) * ضمير الفاعل في يجدونه لبني إسرائيل وكذلك الضمير في عندهم ومعنى يجدونه يجدون نعته وصفته ولنذكر هنا ما ورد في التوراة والإنجيل وأخبار المتقدمين من ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فمن ذلك ما ورد في البخاري وغيره أن في التوراة من صفة النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي أسميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق لا تجزي بالسيئة السيئة ولكن تعفو وتصفح ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح به عيونا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»