ليكونن أحد الأمرين إما إخراجهم أو عودهم إلى ملة الكفر فإن قيل إن العود إلى الشيء يقتضي أنه قد كان فعل قبل ذلك فيقتضي قولهم لتعودن في ملتنا أن شعيبا ومن كان معه كانوا أولا على ملة قومهم ثم خرجوا منها فطلب قومهم أن يعودوا إليها وذلك محال فإن الأنبياء معصومون من الكفر قبل النبوة وبعدها فالجواب من وجهين أحدهما قاله ابن عطية وهو أن عاد قد تكون بمعنى صار فلا يقتضي تقدم ذلك الحال الذي صار اليه والثاني قاله الزمخشري وهو أن المراد بذلك الذين آمنوا بشعيب دون شعيب وإنما أدخلوه في الخطاب معهم بذلك كما أدخلوه في الخطاب معهم في قولهم لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك فغلبوا في الخطاب بالعود الجماعة على الواحد وبمثل ذلك يجاب عن قوله إن عدنا في ملتكم وما يكون لنا أن نعود فيها * (قال أولو كنا كارهين) * الهمزة للاستفهام والإنكار والواو للحال تقديره أنعود في ملتكم ويكون لنا أن نعود فيها ونحن كارهون * (قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم) * أي إن عدنا فيها فقد وقعنا في أمر عظيم من الافتراء على الله وذلك تبرأ من العود فيها * (وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا) * هذا استسلام لقضاء الله على وجه التأدب مع الله وإسناد الأمور إليه وذلك أنه لما تبرأ من ملتهم أخبر أن الله يحكم عليهم بما يشاء من عود وتركه فإن القلوب بيده يقلبها كيف يشاء فإن قلت إن ذلك يصح في حق قومه وأما في حق نفسه فلا فإنه معصوم من الكفر فالجواب أنه قال ذلك تواضعا وتأدبا مع الله تعالى واستسلاما لأمره كقول نبينا صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك مع أنه قد علم أنه يثبته * (ربنا افتح بيننا) * أي احكم * (كأن لم يغنوا فيها) * أي كأن لم يقيموا في ديارهم * (فكيف آسى على قوم كافرين) * أي كيف أحزن عليهم وقد استحقوا ما أصابهم من العذاب بكفرهم * (بالبأساء والضراء) * قد تقدم * (بدلنا مكان السيئة الحسنة) * أي أبدلنا البأساء والضراء بالنعيم اختبارا لهم في الحالتين * (حتى عفوا) * أي كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم * (قالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء) * أي قد جرى ذلك لآبائنا ولم يضرهم فهو بالاتفاق لا بقصد الاختبار * (بركات من السماء والأرض) * أي بالمطر والزرع " أوأمن " من
(٣٩)