التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٢ - الصفحة ١٧٨
إنما يراد الكافر لأنه هو الذي يعرض عن الله * (ونأى بجانبه) * أي بعد وذلك تأكيد وبيان للإعراض وقرئ ناء وهو بمعنى واحد * (كل يعمل على شاكلته) * أي مذهبه وطريقته التي تشاكله " ويسئلونك عن الروح " السائلون اليهود وقيل قريش بإشارة اليهود والروح هنا عند الجمهور هو الذي في الجسم وقد يقال فيه النفس وقيل الروح هنا جبريل وقيل القرآن والأول هو الصواب لدلالة ما بعده على ذلك * (قل الروح من أمر ربي) * أي من الأمور التي استأثر الله بها ولم يطلع عليها خلقه وكانت اليهود قد قالت لقريش اسألوه عن الروح فإن لم يجبكم فيه بشيء فهو نبي وذلك أنه كان عندهم في التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمه وقال ابن بريدة لقد مضى النبي صلى الله عليه وسلم وما يعرف الروح ولقد كثر اختلاف الناس في النفس والروح وليس في أقوالهم في ذلك ما يعول عليه * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * خطاب عام لجميع الناس لأن علمهم قليل بالنظر إلى علم الله وقيل خطاب لليهود خاصة والأول أظهر لأن فيه إشارة إلى أنهم لا يصلون إلى العلم بالروح * (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) * أي إن شئنا ذهبنا بالقرآن فمحوناه من الصدور والمصاحف وهذه الآية متصلة المعنى بقوله وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أي في قدرتنا أن نذهب بالذي أوحينا إليك فلا يبقى عندك شيء من العلم * (وكيلا) * أي من يتوكل بإعادته ورده بعد ذهابه * (إلا رحمة من ربك) * يحتمل أن يكون استثناء متصلا فمعنى أن رحمة ربك ترد القرآن بعد ذهابه لو ذهب أو استثناء منقطعا بمعنى أن رحمة ربك تمسكه عن الذهاب * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله) * عجز الخلق عن الإتيان بمثله لما تضمنه من العلوم الإلهية والبراهين الواضحة والمعاني العجيبة التي لم يمكن الناس يعلمونها ولا يصلون إليها ثم جاءت فيه على الكمال وقال أكثر الناس إنهم عجزوا عنه لفصاحته وحسن نظمه ووجوه إعجازه كثيرة قد ذكرنا في غير هذا منها خمسة عشر وجها * (ظهيرا) * أي معينا * (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) * أي بينا لهم كل شيء من العلوم النافعة والبراهين القائمة والحجج الواضحة وهذا يدل على أن إعجاز القرآن بما فيه من المعاني والعلوم كما ذكرنا * (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) * الكفور الجحود وانتصب بقوله أنى لأنه في معنى النفي * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * الذين قالوا هذا القول هم أشراف قريش طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أنواعا من خوارق العادات وهي التي ذكرها الله في هذه الآية وقيل إن الذي قاله عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة وكان ابن عمه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم بعد ذلك والينبوع العين قالوا له إن مكة قليلة الماء ففجر لنا فيها عينا من
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»