فيه بأيسر العقاب وقال الشافعي وغيره هذه العقوبات مرتبة فمن قتل وأخذ المال قتل وصلب ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ولم يصلب ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله ومن أخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ مالا نفي وحجة مالك عطف هذه العقوبات بأو التي تقتضي التخيير * (خزي في الدنيا) * هو العقوبة وعذاب الآخرة النار وظاهر هذا أن العقوبة في الدنيا لا تكون كفارة للمحارب بخلاف سائر الحدود ويحتمل أن يكون الخزي في الدنيا لمن عوقب فيها والعذاب في الآخرة لمن لم يعاقب * (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) * قيل هي في المشركين وهو ضعيف لأن المشرك لا يختلف حكم توبته قبل القدرة عليه وبعدها وقيل هي في المحاربين من المسلمين وهو الصحيح وهم الذين جاءتهم العقوبات المذكورة فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه فقد سقط عنه حكم الحرابة لقوله فاعلموا أن الله غفور رحيم واختلف يطالب بما عليه من حقوق الناس في الدماء والأموال أولا فوجه المطالبة بها أنها زائدة على حد الحرابة التي سقطت عنه بالتوبة ووجه إسقاطها إطلاق قوله غفور رحيم * (وابتغوا إليه الوسيلة) * أي ما يتوسل به ويتقرب به إليه من الأعمال الصالحة والدعاء وغير ذلك * (ليفتدوا به) * إن قيل لم وحد الضمير وقد ذكر شيئين وهما ما في الأرض ومثله فالجواب أنه وضع المفرد في موضع الاثنين وأجرى الضمير مجرى اسم الإشارة كأنه قال ليفتدوا بذلك أو تكون الواو بمعنى مع * (عذاب مقيم) * أي دائم وكذلك نعيم مقيم * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * عموم الآية يقتضي قطع كل سارق إلا أن الفقهاء اشترطوا في القطع شروطا خصصوا بها العموم فمن ذلك من اضطره الجوع إلى السرقة لم يقطع عند مالك لتحليل الميتة له وكذلك من سرق مال والده أو سيده أو من سرق من غير حرز أو سرق أقل من النصاب وهو عند مالك ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الفضة أو ما يساوي أحدهما وأدلة التخصيص بهذه الأشياء في غير هذه الآية وقد قيل إن الحرز مأخوذ من هذه الآية لأن ما أهمل بغير حرز أو ائتمن عليه فليس أخذه سرقة وإنما هو اختلاس أو خيانة وإعراب السارق عند سيبويه مبتدأ وخبره محذوف كأنه قال فيما يتلى عليكم السارق والسارقة والخبر عند المبرد وغيره فاقطعوا أيديهما ودخلت الفاء لتضمنها معنى الشرط * (فمن تاب من بعد ظلمه) * الآية توبة السارق هو أن يندم على ما مضى ويقلع فيما يستقبل ويرد ما سرق إلى من يستحقه واختلف إذا تاب قبل أن يصل إلى الحاكم هل يسقط عنه القطع وهو مذهب الشافعي لظاهر الآية أو لا يسقط عنه وهو مذهب مالك لأن الحدود عنده
(١٧٦)