السلام وهذا إلزام لهم لأن من خالف كتاب الله وبدله فدعواه الإيمان به باطلة * (النبيون الذين أسلموا) * هم الأنبياء الذين بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ومعنى أسلموا هنا أخلصوا لله وهو صفة مدح أريد به التعريض باليهود لأنهم بخلاف هذه الصفة وليس المراد هنا الإسلام الذي هو ضد الكفر لأن الأنبياء لا يقال فيهم أسلموا على هذا المعنى لأنهم لم يكفروا قط وإنما هو كقول إبراهيم عليه السلام أسلمت لرب العالمين وقوله تعالى فقل أسلمت وجهي لله * (للذين هادوا) * متعلق بيحكم أي يحكم الأنبياء بالتوراة للذين هادوا ويحملونهم عليها ويتعلق بقوله فيه هدى ونور * (بما استحفظوا) * أي كلفوا حفظه والباء هنا سببية قاله الزمخشري ويحتمل أن تكون بدلا من المجرور في قوله يحكم بها * (فلا تخشوا الناس) * وما بعده خطابا لليهود ويحتمل أن تكون وصية للمسلمين يراد بها التعريض باليهود لأن ذلك من أفعالهم * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * قال ابن عباس نزلت الثلاثة في اليهود الكافرون والظالمون والفاسقون وقد روي في هذا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال جماعة هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من اليهود والمسلمين وغيرهم إلا أن الكفر في حق المسلمين كفر معصية لا يخرجهم عن الإيمان وقال الشافعي الكافرون في المسلمين والظالمون في اليهود والفاسقون في النصارى * (وكتبنا عليهم فيها) * كتبنا بمعنى الكتابة في الألواح أو بمعنى الفرض والإلزام والضمير في عليهم لبني إسرائيل وفي قوله فيها للتوراة * (أن النفس بالنفس) * أي تقتل النفس إذا قتلت نفسا وهذا إخبار عما في التوراة وهو حكم في شريعتنا بإجماع إلا أن هذا اللفظ عام وقد خصص العلماء منه أشياء فقال مالك لا يقتل مؤمن بكافر للحديث الوارد في ذلك ولا يقتل حر بعبد لقوله الحر بالحر والعبد بالعبد وقد تقدم الكلام على ذلك في البقرة * (والعين بالعين) * وما بعده حكم القصاص في الأعضاء والقراءة بنصب العين وما بعده عطف على النفس وقرئ بالرفع ولها ثلاثة أوجه أحدها العطف على موضع النفس لأن المعنى قلنا لهم النفس بالنفس والثاني العطف على الضمير الذي في الخبر وهو بالنفس والثالث أن يكون مستأنفا مرفوعا بالابتداء * (والجروح قصاص) * بالنصب عطف على المنصوبات قبله وبالرفع على الأوجه الثلاثة التي في رفع العين وهذا اللفظ عام يراد به الخصوص في الجراح التي لا يخاف على النفس منها * (فمن تصدق به فهو كفارة له) * فيه تأويلان أحدهما من تصدق من أصحاب الحق بالقصاص وعفا عنه فذلك كفارة له يكفر الله ذنوبه لعفوه وإسقاطه حقه والثاني من تصدق وعفا فهو كفارة للقاتل والجارح بعفو الله عنه في ذلك لأن صاحب الحق قد عفا عنه فالضمير في له على التأويل الأول يعود على من التي هي كناية عن
(١٧٨)