أنهم كانوا يسيرون الليل كله فإذا أصبحوا وجدوا أنفسهم في الموضع الذي كانوا فيه * (فلا تأس) * أي لا تحزن والخطاب لموسى وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم ويراد بالفاسقين من كان في عصره من اليهود * (نبأ ابني آدم) * هما قابيل وهابيل * (إذ قربا قربانا) * روي أن قابيل كان صاحب زرع فقرب أرذل زرعه وكان هابيل صاحب غنم فقرب أحسن كبش عنده وكانت العادة حينئذ أن يقرب الإنسان قربانه إلى الله ويقوم يصلي فإذا نزلت نار من السماء وأكلت القربان فذلك دليل على القبول وإلا فلا قبول فنزلت النار فأخذت كبش هابيل ورفعته وتركت زرع قابيل فحسده قابيل فقتله * (إنما يتقبل الله من المتقين) * استدل بها المعتزلة وغيرهم على أن صاحب المعاصي لا يتقبل عمله وتأولها الأشعرية بأن التقوى هنا يراد بها تقوى الشرك * (لئن بسطت إلي يدك) * الآية قيل معناها لئن بدأتني بالقتال لم أبدأك به وقيل إن بدأتني بالقتال لم أدافعك ثم اختلف على هذا القول هل تركه لدفاعه عن نفسه تورعا وفضيلة وهو الأظهر والأشهر وكان واجبا عندهم أن لا يدافع أحد عن نفسه وهو قول مجاهد وأما في شرعنا فيجوز دفع الإنسان عن نفسه بل يجب * (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) * الإرادة هنا ليست بإرادة محبة وشهوة وإنما هو تخيير في أهون الشرين كأنه قال إن قتلتني فذلك أحب إلي من أن أقتلك كما ورد في الأثر كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل وأما قوله بإثمي وإثمك فمعناه بإثم قتلي لك لو قتلتك وبإثم قتلك لي وإنما يحمل القاتل الإثمين لأنه ظالم فذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم المتسابان ما قالا فهو على البادىء وقيل بإثمي أي تحمل عني سائر ذنوبي لأن الظالم تجعل عليه في القيامة ذنوب المظلوم وبإثمك أي في قتلك لي وفي غير ذلك من ذنوبك * (وذلك جزاء الظالمين) * يحتمل أن يكون من كلام هابيل أو استئنافا من كلام الله تعالى * (فبعث الله غرابا) * الآية روي أن غرابين اقتتلا حتى قتل أحدهما الآخر ثم جعل القاتل يبحث عن التراب ويواري الميت وقيل بل كان غرابا واحدا يبحث ويلقي التراب على هابيل " سوءة أخيه " أي عورته وخصت بالذكر لأنها أحق بالستر من سائر الجسد والضمير في أخيه عائد على ابن آدم ويظهر من هذه القصة أن هابيل كان أول من دفن من بني آدم " قال يا ولتا " أصله يا ويلتي ثم أبدل من الياء ألف وفتحت التاء وكذلك يا أسفي ويا حسرتي * (فأصبح من النادمين) * على ما وقع فيه من قتل أخيه واختلف في قابيل هل كان كافرا أو عاصيا والصحيح أنه لم يكن في تلك المدة كافرا لأنه قصد التقرب إلى الله بالقربان وأصبح
(١٧٤)