تفسير البيضاوي - البيضاوي - ج ٤ - الصفحة ٢١٦
رب عبدك هذا اتخذني مهجورا اقض بيني وبينه أو هجروا ولغوا فيه إذا سمعوه أو زعموا أنه هجر وأساطير الأولين فيكون أصله * (مهجورا) * فيه فحذف الجار ويجوز أن يكون بمعنى الهجر كالمجلود والمعقول وفيه تخويف لقومه فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل لهم العذاب * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين) * كما جعلناه لك فاصبر كما صبروا وفيه دليل على أنه خالق الشر والعدو يحتمل الواحد والجمع * (وكفى بربك هاديا) * إلى طريق قهرهم * (ونصيرا) * لك عليهم * (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن) * أي أنزل عليه كخبر بمعنى أخبر لئلا يناقض قوله * (جملة واحدة) * دفعة واحدة كالكتب الثلاثة وهو اعتراض لا طائل تحته لأن الإعجاز لا يختلف بنزوله جملة أو مفرقا مع أن للتفريق فوائد منها ما أشار إليه بقوله * (كذلك لنثبت به فؤادك) * أي كذلك أنزلناه مفرقا لنقوى بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه لأن حاله يخالف حال موسى وداود وعيسى حيث كان عليه الصلاة والسلام أميا وكانوا يكتبون فلو ألقي عليه جملة لعيل بحفظه ولعله لم يستتب له فإن التلقف لا يتأتى إلا شيئا فشيئا ولأن نزوله بحسب الوقائع يوجب مزيد بصيرة وغوص في المعنى ولأنه إذا نزل منجما وهو يتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه ولأنه إذا نزل به جبريل حالا بعد حال يثبت به فؤاده ومنها معرفة الناسخ والمنسوخ ومنها انضمام القرائن الحالية إلى الدلالات اللفظية فإنه يعين على البلاغة وكذلك صفة مصدر محذوف والإشارة إلى إنزاله مفرقا فإنه مدلول عليه بقوله * (لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) *
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»