تفسير البيضاوي - البيضاوي - ج ٣ - الصفحة ٢٠٠
ولو انضم إلى صممهم عدم تعلهم وفيه تنبيه على أن حقيقة استماع الكلام فهم المعنى المقصود منه ولذلك لا توصف به البهائم وهو لا يتأتى إلا باستعمال العقل السليم في تدبره وعقولهم لما كانت مؤفه بمعارضة الوهم ومشايعة الإلف والتقليد تعذر إفهامهم الحكم والمعاني الدقيقة فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما ينتفع به البهائم من كلام الناعق * (ومنهم من ينظر إليك) * يعاينون دلائل نبوتك ولكن لا يصدقونك * (أفأنت تهدي العمي) * تقدر على هدايتهم * (ولو كانوا لا يبصرون) * وإن انضم إلى عدم البصر عدم البصيرة فإن المقصود من الابصار هو الاعتبار والاستبصار والعمدة في ذلك البصرة ولذلك يحدس الأعمى المستبصر ويتفطن لما لا يدركه البصر الأحمق والآية كالتعليل للامر بالتبري والأعراض عنهم * (إن الله لا يظلم الناس شيئا) * بسلم حواسهم وعقولهم * (ولكن الناس أنفسهم يظلمون) * بإفسادها وتفويت منافعها عليهم وفيه دليل على أن للعبد كسبا وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت المجبرة ويجوز أن يكون وعيدا لهم بمعنى أن ما يحيق بهم يوم القيامة من العذاب عدل من الله لا يلظمهم به ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف أسبابه وقرأ أبو عمرو والكسائي بالتخفيف ورفعالناس * (الناس) * * (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار) * يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبور لهول ما يرون والجملة التشبيهية في موضع الحال أي يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة أو صفة ليوم والعائد محذوف تقديره كأن لم يلبثوا قبله أو لمصدر محذوف أي حشرا كأن لم يلبثوا قبله * (يتعارفون بينهم) * يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا وهذا أول ما نشروا ثم ينقطع التعارف لشدة الأمر عليهم وهي حال أخرى مقدرة أو بيان لقوله * (كأن لم يلبثوا) * أو متعلق الظروف والتقدير يتعارفون يوم يحشرهم * (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) * استئناف للشهادة على خسرانهم والتعجب منه ويجوز
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»