قال ابن عباس: فضرب الله هذا مثلا للمنافقين مع اليهود. وذلك أن الله تعالى أمر نبيه عليه السلام أن يجلي بنى النضير من المدينة، فدس إليهم المنافقون ألا تخرجوا من دياركم، فإن قاتلوكم كنا معكم، وإن أخرجوكم كنا معكم، فحاربوا النبي صلى الله عليه وسلم فخذلهم المنافقون، وتبرؤوا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصا العابد. فكان الرهبان بعد ذلك لا يمشون إلا بالتقية (1) والكتمان. وطمع أهل الفسوق والفجور في الأحبار فرموهم بالبهتان والقبيح، حتى كان أم جريج الراهب، وبرأه الله فانبسطت بعده الرهبان وظهروا للناس. وقيل: المعنى مثل المنافقين في غدرهم (2) لبني النضير كمثل إبليس إذ قال لكفار قريش: " لا غالب لكم اليوم من الناس وإني (3) جار لكم " [الأنفال: 48] الآية. وقال مجاهد المراد بالانسان ها هنا جميع الناس في غرور الشيطان إياهم. ومعنى قول تعالى: " إذ قال للانسان أكفر " أي أغواه حتى قال:
إني كافر. وليس قول الشيطان: " إني أخاف الله رب العالمين " حقيقة، إنما هو على وجه التبرؤ من الانسان، فهو تأكيد لقوله تعالى: " إني برئ منك " وفتح الياء من " إني " نافع وابن كثير وأبو عمرو. وأسكن الباقون. (فكان عاقبتهما) أي عاقبة الشيطان وذلك الانسان (أنهما في النار خالدين فيها) نصب على الحال. والتثنية ظاهرة فيمن جعل الآية مخصوصة في الراهب والشيطان. ومن جعلها في الجنس فالمعنى: وكان عاقبة الفريقين أو الصنفين. ونصب " عاقبتهما " على أنه خبر كان. والاسم " أنهما في النار " وقرأ الحسن " فكان عاقبتهما " بالرفع على الضد من ذلك. وقرأ الأعمش " خالدان فيها " بالرفع وذلك خلاف المرسوم. ورفعه على أنه خبر " أن " والظرف ملغي.
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا التقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون 18