قوله تعالى: (وكأين من قرية) لما ذكر الاحكام ذكر وحذر مخالفة الامر، وذكر عتو قوم وحلول العذاب بهم. وقد مضى القول في " كأين " في " آل عمران " (1) والحمد لله. (عتت عن أمر ربها) أي عصت، يعني القرية والمراد أهلها. (فحاسبناها حسابا شديدا) أي جازيناها بالعذاب في الدنيا (وعذبناها عذابا نكرا) في الآخرة.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، فعذبناها عذابا نكرا في الدنيا بالجوع والقحط والسيف والخسف والمسخ وسائر المصائب، وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا. والنكر: المنكر.
وقرئ مخففا ومثقلا، وقد مضى في سور " الكهف ". (2) (فذاقت وبال أمرها) أي عاقبة كفرها (وكان عاقبة أمرها خسرا) أي هلاكا في الدنيا بما ذكرنا، والآخرة بجهنم.
وجئ بلفظ الماضي كقوله تعالى: " ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار " (3) [الأعراف: 44] ونحو ذلك، لان المنتظر من وعد الله ووعيده ملقى في الحقيقة، وما هو كائن فكأن قد. (أعد الله لهم عذابا شديدا) بين ذلك الخسر وأنه عذاب جهنم في الآخرة. (فاتقوا الله يا أولى الألباب) أي العقول. (الذين آمنوا) بدل من " أولي الألباب " أو نعت لهم، أي يا أولي الألباب الذين آمنتم بالله اتقوا الله الذي أنزل عليكم القرآن، أي خافوه واعملوا بطاعته وانتهوا عن معاصيه. وقد تقدم. (رسولا) قال الزجاج: إنزال الذكر دليل على إضمار أرسل، أي أنزل إليكم قرآنا وأرسل رسولا. وقيل: إن المعنى قد أنزل الله إليكم صاحب ذكر رسولا، " رسولا " نعت للذكر على تقدير حذف المضاف. وقيل: إن رسولا معمول للذكر لأنه مصدر، والتقدير: قد أنزل الله إليكم أن ذكر رسولا. ويكون ذكره الرسول قوله: " محمد رسول الله " [الفتح: 29]. ويجوز أن يكون " رسولا " بدل من ذكر، على أن يكون " رسولا " بمعنى رسالة، أو على أن يكون على بابه ويكون محمولا على المعنى، كأنه قال: قد أظهر الله لكم ذكرا رسولا، فيكون من باب بدل الشئ من الشئ وهو هو. ويجوز أن ينتصب " رسولا " على الاغراء كأنه قال: اتبعوا رسولا. وقيل: الذكر هنا الشرف، نحو قوله تعالى: