ولا تفرح بما هو آت؟ قال: لان الفائت لا يتلافى بالعبرة، والآتي لا يستدام بالحبرة.
وقال الفضيل بن عياض في هذا المعنى: الدنيا مبيد ومفيد، فما أباد فلا رجعة له، وما أفاد آذن بالرحيل. وقيل: المختال الذي ينظر إلى نفسه بعين الافتخار، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الاحتقار، وكلاهما شرك خفي. والفخور بمنزلة المصراة تشد أخلافها ليجتمع فيها اللبن، فيتوهم المشتري أن ذلك معتاد وليس كذلك، فكذلك الذي يرى من نفسه حالا وزينة وهو مع ذلك مدع فهو الفخور.
قوله تعالى: (الذين ينجلون) أي لا يحب المختالين (الذين يبخلون) ف (الذين) في موضع خفض نعتا للمختال. وقيل: رفع بابتداء أي الذين يبخلون فالله غني عنهم. قيل:
أراد رؤساء اليهود الذين يبخلون ببيان صفة محمد صلى الله عليه وسلم التي في كتبهم، لئلا يؤمن به الناس فتذهب مأكلتهم (1)، قاله السدي والكلبي. وقال سعيد بن جبير: (الذين يبخلون) يعني بالعلم (ويأمرون الناس بالبخل) أي بألا يعلموا الناس شيئا. زيد بن أسلم: إنه البخل بأداء حق الله عز وجل. وقيل: إنه البخل بالصدقة والحقوق، قاله عامر بن عبد الله الأشعري. وقال طاوس: إنه البخل بما في يديه. وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى.
وفرق أصحاب الخواطر بين البخل والسخاء بفرقين: أحدهما أن البخيل الذي يلتذ بالامساك.
والسخي الذي يلتذ بالاعطاء. الثاني - أن البخيل الذي يعطي عند السؤال، والسخي الذي يعطي بغير سؤال. (ومن يتول) أي عن الايمان (فان الله) غني عنه. ويجوز أن يكون لما حث على الصدقة أعلمهم أن الذين يبخلون بها ويأمرون الناس بالبخل بها فإن الله غني عنهم. وقرأة العامة (بالبخل) بضم الباء وسكون الخاء. وقرأ أنس وعبيد بن عمير ويحيى ابن يعمر ومجاهد وحميد وابن محيصن وحمزة والكسائي (بالبخل) بفتحتين وهي لغة الأنصار.
وقرأ أبو العالية وابن السميقع (بالبخل) بفتح الباء واسكان الخاء. وعن نصر بن عاصم (البخل) بضمتين وكلها لغات مشهورة. وقد تقدم الفرق بين البخل والشح في آخر (آل عمران (2)).