قال الفراء: الانذار والنذر مصدران. وقيل: (نذر) جمع نذير ونذير بمعنى الانذار كنكير بمعنى الانكار. (ولقد ولقد يسرنا القرآن للذكر) أي سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه، فهل من طالب لحفظه فيعان عليه؟ ويجوز أن يكون المعنى: ولقد هيأناه للذكر [مأخوذ (1)] من يسر ناقته للسفر: إذا رحلها، ويسر فرسه للغزو إذا أسرجه وألجمه، قال:
وقمت إليه باللجام ميسرا * هنالك يجزيني الذي كنت أصنع وقال سعيد بن جبير: ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن، وقال غيره:
ولم يكن هذا لبني إسرائيل، ولم يكونوا يقرءون التوراة إلا نظرا، غير موسى وهرون ويوشع ابن نون وعزير صلوات الله عليهم، ومن أجل ذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة عن ظهر قلبه حين أحرقت، على ما تقدم بيانه في سورة (براءة (2)) فيسر الله تعالى على هذه الأمة حفظ كتابه ليذكروا ما فيه، أي يفتعلوا الذكر، والافتعال هو أن ينجع فيهم ذلك حتى يصير كالذات وكالتركيب. فيهم. (فهل من مدكر) قارئ يقرؤه. وقال أبو بكر الوراق وابن شوذب: فهل من طالب خير وعلم فيعان عليه، وكرر في هذه السورة للتنبيه والافهام.
وقيل: إن الله تعالى اقتص في هذه السورة على هذه الأمة أنباء الأمم وقصص المرسلين، وما عاملتهم به الأمم، وما كان من عقبى أمورهم وأمور المرسلين (3)، فكان في كل قصة ونبأ ذكر للمستمع أن لو ادكر، وإنما كرر هذه الآية عند ذكر كل قصة بقوله: (فهل من مدكر) لان (هل) كلمة استفهام تستدعي أفهامهم التي ركبت في أجوافهم وجعلها حجة عليهم، فاللام من (هل) للاستعراض (4) والهاء للاستخراج.
قوله تعالى: كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر (18) انا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر (19) تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر (20) فكيف كان عذابي ونذر (21) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (22)