تفسير القرطبي - القرطبي - ج ١ - الصفحة ١
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
قال الشيخ الفقيه الامام العالم العامل العلامة المحدث أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي ثم القرطبي، رضي الله عنه:
الحمد لله المبتدئ بحمد نفسه قبل ان يحمده حامد، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرب الصمد الواحد، الحي القيوم الذي لا يموت، ذو الجلال والاكرام، والمواهب العظام، والمتكلم بالقرآن، والخالق للانسان، و المنعم عليه بالايمان، والمرسل رسوله بالبيان، محمدا صلى الله عليه وسلم ما اختلف الملوان (1)، وتعاقب الجديدان، أرسله بكتابه المبين، الفارق بين الشك واليقين، الذي أعجزت الفصحاء معارضته، وأعيت الألباء مناقضته، وأخرست البلغاء مشاكلته، فلا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. جعل أمثاله عبرا لمن تدبرها، وأوامره هدى لمن استبصرها، وشرح فيه واجبات الأحكام، وفرق فيه بين الحلال والحرام، وكرر فيه المواعظ والقصص للأفهام، وضرب فيه الأمثال، وقص فيه غيب الأخبار، فقال تعالى " ما فرطنا في الكتاب من شئ (12) ". وخاطب به أولياءه ففهموا، وبين لهم فيه مراده فعلموا. فقرءة القرآن حمله سر الله المكنون، وحفظة علمه المخزون، وخلفاء أنبيائه وأمناؤه، وهم أهله وخاصته وخيرته وأصفياؤه، قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: " إن لله أهلين منا (3) " قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: " هم أهل القرآن أهل الله وخاصته " أخرجه ابن ماجة في سننه، وأبو بكر البزار في مسنده. فما أحق من علم كتاب الله أن يزدجر بنواهيه، ويتذكر

(1) المللون: الليل والنهار.
(2) آية 38 سورة الأنعام.
(3) في سنن ابن ماجة: " من الناس ".
(١)
الفهرست