قوله تعالى: (تثير الأرض) " تثير " في موضع رفع على الصفة للبقرة أي هي بقرة لا ذلول مثيرة. قال الحسن: وكانت تلك البقرة وحشية ولهذا وصفها الله تعالى بأنها لا تثير الأرض ولا تسقى الحرث أي لا يسنى بها لسقي الزرع ولا يسقى عليها. والوقف ها هنا حسن. وقال قوم: " تثير " فعل مستأنف والمعنى إيجاب الحرث لها وأنها كانت تحرث ولا تسقى. والوقف على هذا التأويل " لا ذلول " والقول الأول أصح لوجهين: أحدهما: ما ذكره النحاس عن علي بن سليمان أنه قال: لا يجوز أن يكون " تثير " مستأنفا، لان بعده " ولا تسقي الحرث "، فلو كان مستأنفا لما جمع بين الواو و " لا ". الثاني أنها لو كانت تثير الأرض لكانت الإثارة قد ذللتها، والله تعالى قد نفى عنها الذل بقوله: " لا ذلول ".
قلت: ويحتمل أن تكون " تثير الأرض " في غير العمل مرحا ونشاطا، كما قال أمرؤ القيس:
يهيل ويذري تربه ويثيره * إثارة نباث (1) الهواجر مخمس فعلى هذا يكون " تثير " مستأنفا، " ولا تسقي " معطوف عليه، فتأمله. وإثارة الأرض:
تحريكها وبحثها، ومنه الحديث: (أثيروا القرآن فإنه (2) علم الأولين والآخرين) وفي رواية أخرى: (من أراد العلم فليثور القرآن) وقد تقدم (3). وفي التنزيل: " وأثاروا الأرض " [الروم: 9] أي قلبوها للزراعة. والحرث: ما حرث وزرع. وسيأتي.
مسألة: في هذه الآية أدل دليل على حصر الحيوان بصفاته، وإذا ضبط بالصفة وحصر بها جاز السلم فيه. وبه قال مالك وأصحابه والأوزاعي والليث والشافعي. وكذلك كل ما يضبط بالصفة، لوصف الله تعالى البقرة في كتابه وصفا يقوم مقام التعيين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها). أخرجه مسلم. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصفة تقوم مقام الرؤية، وجعل صلى الله عليه وسلم دية الخطأ في ذمة من أوجبها عليه دينا إلى أجل ولم يجعلها على الحلول. وهو يرد قول