الثانية - قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) مقدم في التلاوة وقوله:
" قتلتم نفسا " مقدم في المعنى على جميع ما أبتدأ به من شأن البقرة. ويجوز أن يكون قوله:
" قتلتم " في النزول مقدما، والام بالذبح مؤخرا. ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها، فكأن الله أمرهم بذبح البقرة حتى ذبحوها ثم وقع ما وقع من أمر القتل، فأمروا أن يضربوه ببعضها، ويكون " وإذ قتلتم " مقدما في المعنى على القول الأول حسب ما ذكرنا، لان الواو لا توجب الترتيب. ونظيره في التنزيل في قصة نوح بعد ذكر الطوفان وانقضائه في قوله: " حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا أحمل فيها من كل زوجين اثنين " إلى قوله " إلا قليل " (1) [هود: 40]. فذكر إهلاك من هلك منهم ثم عطف عليه بقوله: " وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها " [هود: 41]. فذكر الركوب متأخرا في الخطاب، ومعلوم أن ركوبهم كال قبل الهلاك.
وكذلك قوله تعالى: " الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما " (2) [هود: 19]. وتقديره:
أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا، ومثله في القرآن كثير.
الثالثة - لا خلاف بين العلماء أن الذبح أولى في الغنم، والنحر أولى في الإبل، والتخير في البقر. وقيل: الذبح أولى، لأنه الذي ذكره الله، ولقرب المنحر من المذبح. قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا حرم أكل ما نحر مما يذبح، أو ذبح مما ينحر. وكره مالك ذلك.
وقد يكره المرء الشئ ولا يحرمه. وسيأتي في سورة " المائدة " أحكام الذبح والذابح وشرائطهما عند قوله تعالى: " إلا ما زكيتم " [المائدة: 3] مستوفى (3) إن شاء الله تعالى. قال الماوردي: وإنما أمروا - والله أعلم - بذبح بقرة دون غيرها، لأنها من جنس ما عبدوه من العجل ليهون عندهم ما كان يرونه من تعظيمه، وليعلم بإجابتهم ما كان في نفوسهم من عبادته. وهذا المعنى علة في ذبح البقرة، وليس بعلة في جواب السائل، ولكن المعنى فيه أن يحيا القتيل بقتل حي، فيكون أظهر لقدرته في اختراع الأشياء من أضدادها.
الرابعة - قوله تعالى: (بقرة) " بقرة " البقرة اسم للأنثى، والثور اسم للذكر مثل ناقة وجمل وامرأة ورجل. وقيل: البقرة واحد البقر، الأنثى والذكر سواء. وأصله من قولك: