ولا تطريب، نع كثرة المتعمقين في مخارج الحروف وفئ المد والإدغام والإظهار وغير ذلك من كيفية القراءات. ثم إن في الترجيع والتطريب همز ما ليس بمهموز ومد ما ليس بممدود، فترجع الألف الواحدة ألفات والواو الواحدة واوات والشبهة (1) الواحدة شبهات، فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن وذلك ممنوع، وإن وافق ذلك موضع نبر وهمز صيروها نبرات وهمزات، والنبرة حيثما وقعت من الحروف فإنما هي همزة واحدة لاغير، إما ممدودة وإما مقصورة. فإن قيل: فقد روى عبد الله بن مغفل قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له سورة " الفتح " على راحلته فرجع في قراءته، وذكره البخاري وقال في صفة الترجيع: آء آء آء، ثلاث مرات.
قلنا: ذلك محمول على إشباع المد فئ موضعه، ويحتمل أن يكون صوته عند هز الراحلة، كما يعتري رافع صوته إذا كان راكبا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز المركوب، وإذا احتمل هذا فلا حجة فيه. وقد خرج أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث قتادة عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال: كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم المد ليس فيها ترجيع وروى ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الأذان سهل سمح فإذا كان أذانك سمحا سهلا وإلا فلا تؤذن ". أخرجه الدارقطني في سننه فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد منع ذلك في الأذان فأحرى ألا يجوزه في القرآن الذي حفظه الرحمن، فقال وقوله الحق:
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (2) ". وقال تعالى: " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (3) ".
قلت: وهذا الخلاف إنما هو ما لم يفهم معنى القرآن بترديد الأصوات وكثرة الترجيعات، فإن زاد الأمر على ذلك لا يفهم معناه فذلك حرام باتفاق، كما يفعل القراء بالديار المصرية الذين يقرءون أمام الملوك والجنائز، ويأخذون على ذلك الأجور والجوائز، ضل سعيهم، وخاب