مضادة لما قبلها كما في هذه الآية، وقولك: جاءني زيد لكن عمرو لم يجئ، ولا يجوز جاءني زيد لكن عمرو ثم تسكت، لأنهم قد استغنوا ببل في مثل هذا الموضع عن لكن، وإنما يجوز ذلك إذا تقدم النفي كقولك: ما جاءني زيد لكن عمرو.
قوله تعالى: وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13) قوله تعالى: " وإذا قيل لهم " يعني المنافقين في قول مقاتل وغيره. " آمنوا كما آمن الناس " أي صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وشرعه، كما صدق المهاجرون والمحققون (1) من أهل يثرب. وألف " آمنوا " ألف قطع، لأنك تقول: يؤمن، والكاف في موضع نصب، لأنها نعت لمصدر محذوف، أي إيمانا كإيمان الناس.
قوله تعالى: (قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء) يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، عن ابن عباس. وعنه أيضا: مؤمنو أهل الكتاب. وهذا القول من المنافقين إنما كانوا يقولونه في خفاء واستهزاء فأطلع الله نبيه والمؤمنين على ذلك، وقرر أن السفه ورقة الحلوم وفساد البصائر إنما هي في حيزهم وصفة لهم، وأخبر أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون للرين الذي على قلوبهم. وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها نزلت في شأن اليهود، أي وإذا قيل لهم - يعني اليهود - آمنوا كما آمن الناس: عبد الله بن سلام وأصحابه، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء يعني الجهال والخرقاء. وأصل السفه في كلام العرب: الخفة والرقة، يقال: ثوب سفيه إذا كان ردئ النسج خفيفه، أو كان باليا رقيقا. وتسفهت الريح الشجر: مالت به، قال ذو الرمة:
مشين كما اهتزت رماح تسفهت * أعاليها مر الرياح النواسم (2)