والقول الثاني: أن أول الآية محكم وإنما المنسوخ منها قوله: * (وبعولتهن أحق بردهن) * قالوا: فكان الرجل إذا طلق ارتجع سواء كان الطلاق ثلاثا أو دون ذلك فنسخ هذا بقوله * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) *.
وأعلم أن القول الصحيح المعتمد عليه أن هذه الآية كلها محكمة لأن أولها عام في المطلقات وما ورد في الحامل والآيسة والصغيرة فهو مخصوص من جملة العموم وليس علي سبيل النسخ. وأما الارتجاع فإن الرجعية زوجة ولهذا قال: * (وبعولتهن) * ثم بين الطلاق الذي يجوز منه الرجعة فقال: * (والطلاق مرتان) * إلى قوله: * (فإن طلقها) * يعني الثلاثة * (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) *.
ذكر الآية الثلاثون:
قوله تعالى * (الطلاق مرتان) * قد زعم قوم: أن هذه الآية نسخت ما كانوا عليه من أن أحدهم كان يطلق ما شاء.
أخبرنا ابن ناصر قال: بنا علي بن أيوب قال: أبنا ابن شاذان قال: بنا أبو بكر النجاد قال: بنا أبو داود السجستاني قال: بنا أحمد بن محمد قال: بنا علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الرجل إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ الله ذلك فقال: * (الطلاق مرتان) * الآية.
وروى عن سعيد عن قتادة في قوله تعالى: * (الطلاق مرتان) * قال: فنسخ هذا ما كان قبله وجعل الله حد الطلاق ثلاثا.
قلت: وهذا يجوز في الكلام يريدون به تغيير تلك الحال وإلا فالتحقيق أن هذا لا يقال فيه ناسخ ولا منسوخ وإنما هو ابتداء شرع وإبطال لحكم العادة.
وزعم آخرون: أن هذه الآية لما اقتضت إباحة الطلاق على الإطلاق من غير تعيين