حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون فلما حضروه قال بعضهم لبعض انصتوا واسكتوا لنستمع إلى قراءته فلا يحول بيننا وبين الاستماع شيء فأنصتوا واستمعوا القرآن حتى كاد يقع بعضهم على بعض من شدة حرصهم (فلما قضى) فرغ من تلاوته (ولوا إلى قولهم) انصرفوا إليهم (منذرين) مخوفين داعين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم 30 (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) قال عطاء كان دينهم اليهودية لذلك قالوا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى 31 (يا قومنا أجيبوا داعي الله) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم) (من) صلة أي ذنوبكم (ويجركم من عذاب أليم) قال ابن عباس رضي الله عنهما فاستجاب لهم من قومهم نحو من سبعين رجلا من الجن فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقوه في البطحاء فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الجن والإنس جميعا قال مقاتل لم يبعث قبله نبي إلى الإنس والجن جميعا واختلف العلماء في حكم مؤمني الجن فقال قوم ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار وتأولوا قوله (يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم) وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وحكى سفيان عن ليث قال الجن ثوابهم أن يجاروا من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا وهذا مثل البهائم وعن أبي الزناد قال إذا قضي بين الناس قيل لمؤمني الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا فعند ذلك يقول الكافر (يا ليتني كنت ترابا) وقال الآخرون يكون لهم الثواب في الإحسان كما يكون عليهم العقاب في الإساءة كالإنس وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى وقال جرير عن الضحاك الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون وذكر النقاش في تفسيره حديث أنهم يدخلون الجنة فقيل هل يصيبون من نعيمها قال يلهمهم الله تسبيحه وذكره فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة وقال أرطاة بن المنذر سألت ضمرة بن حبيب هل للجن ثواب قال نعم وقرأ (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) قال فالإنسيات للإنس والجنيات للجن وقال عمر بن عبد العزيز إن مؤمني الجن حوله الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها 32 (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض) لا يعجز الله فيفوته (وليس له من دونه أولياء) أنصار يمنعونه من الله (أولئك في ضلال مبين) 33 (أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعى بخلقهن) لم يعجز عن إبداعهن (بقادر) هكذا قراءة العامة واختلفوا في وجه دخول الباء فيه فقال أبو عبيدة والأخفش الباء زائدة للتأكيد كقوله (تنبت بالدهن) وقال الكسائي والفراء العرب تدخل الياء في الاستفهام مع الجحد فتقول ما أظنك بقائم وقرأ يعقوب يقدر بالياء على الفعل واختار أبو عبيدة قراءة العامة لأنها في قراءة عبد الله قادر بغير باء (على أن يحي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير)
(١٧٥)