تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ٦١
رقبة فإن اختار الكسوة فاختلفوا في قدرها فذهب قوم إلى أنه يكسو مسكين ثوبا واحدا مما يقع عليه اسم الكسوة إزار أو رداء أو قميص أو عمامة أو كساء أو نحوها وهو ابن عباس والحسن ومجاهد وعطاء وطاوس وإليه ذهب الشافعي رحمه الله تعالى وقال مالك يجب لكل إنسان ما تجوز فيه صلاته فيكسو الرجال ثوبا واحدا والنساء ثوبين درعا وخمارا وقال سعيد بن المسيب لكل مسكين ثوبان قوله عز وجل (أو تحرير رقبة) وإذا اختار العتق يجب إعتاق رقبة مؤمنة وكذلك جميع الكفارات مثل كفارة القتل والظهار والجماع في نهار رمضان يجب فيها اعتاق رقبة مؤمنة وأجاز أبو حنيفة رضي الله عنه والثوري رضي الله عنه إعتاق الرقبة الكافرة في جميعها إلا في كفارة القتل لأن الله تعالى قيد الرقبة فيها بالإيمان قلنا المطلق يحمل على المقيد كما أن الله تعالى قيد الشهادة بالعدالة في موضع فقال (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وأطلق في موضع فقال (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) ثم العدالة شرط في جميعها حملا للمطلق على المقيد كذلك هذا ولا يجوز إعتاق المرتد بالاتفاق عن الكفارة ويشترط أن يكون سليم الرق ححتى لو أعتق عن كفارته مكابتبا أو أما ولد أو عبد اشتر بشرط العتق أو اشتر قريبه الذي يعتق عليه بنيت الكفارة يعتق ولكن لا يجوز عن الكفارة وجوز أصحاب رأي عتق المكاتب إذا لم يكن أدى شيئا من النجوم وعتق القريب عن الكفارة ويشترط أن تكون الرقبة سليمة من كل عيب يضر بالعمل ضررا بينا حتى لا يجوز مقطوع أححدى اليدين أو أحدى الرجلين ولا الأعمى ولا الزمن ولا المجنون المتبق ويجوز الأعور والأصم ومقطوع الأذنين والأنف لأن هذه العيوب لا تضر بالعمل ضررا بينا وعند أبي حنيفة رضي الله عنه كل عيب يفوت جنسا من المنفعة يمتنع الجواز حتى جوز مقطوع إحدى اليدين ولم يجوز مقطوع الأذنين قوله عز وجل (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) إذا عجز الذي لزمته كفاره اليمين عن الطعام والكسوة وتحرير الرقبة يجب عليه صوم ثلاثة أيام والعجز أن لا يفضل من ماله عن قوته وقوت عياله وحاجته ما يطعم أو يكسو أو يعتق فإنه يصوم ثلاثة أيام وقال بعضهم إذا ملك ما يمكنه الإطعام وإن لم يفضل عن كفايته فليس له الصيام وهو قول الحسن وسعيد بن جبير واختلفوا في وجوب التتابع في هذا الصوم فذهب جماعة إلى أنه لا يجب فيه التتابع بل إن شاء تابع وإن شاء فرق والتتابع أفضل وهو أحد قولي الشافعي وذهب قوم إلى أنه يجب فيه التتابع قياسا على كفارة القتل والظهار وهو قول الثوري وأبي حنيفة ويدل عليه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه صيام ثلاثة أيام متتابعات (ذلك) أي ذلك الذي ذكرت (كفارة أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم فإن الكفارة لا تجب إلا بعد الحنث واختلفوا في تقديم الكفارة على الحنث فذهب قوم إلى جوازه لما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير وهو قول عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنها وبه قال الحسن وابن سيرين وإليه ذهب مالك والأوزاعي والشافعي إلا أن الشافعي يقول إن كفر بالصوم قبل الحنث لأنه
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»