تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ٣٦٩
إلا قوم يونس فإنهم نفعهم إيمانهم في ذلك الوقت وقوم نصب على الاستثناء المنقطع تقديره ولكن قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين وهو وقت انقضاء آجالهم واختلفوا في أنهم هل رأوا العذاب عيانا أم لا فقال بعضهم رأوا دليل العذاب والأكثرون على أنهم رأوا العذاب عيانا بدليل قوله كشفنا عنهم عذاب الخزي والكشف يكون بعد الوقوع أو إذا قرب وقصة الآية على ما ذكر عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ووهب وغيرهم أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل فأرسل الله إليهم يونس يدعوهم إلى الإيمان نجرب عليه كذبا فانظروا فإن بات فيكم تلك الليلة فليس بشيء وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم فلما كان في جوف تلك الليلة خرج يونس من بين أظهرهم فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رؤسهم قدر ميل وقال وهب غامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا فهبط حتى غشى مدينتهم واسودت سطوحهم فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك فطلبوا يونس نبيهم فلم يجدوه وقذف الله في قلوبهم التوبة فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ولبسوا المسوح وأظهروا الإيمان والتوبة وأخلصوا النية وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام فحن بعضها إلى بعض وعلت الأصوات واختلطت أصواتها بأصواتهم وعجوا وتضرعوا إلى الله عز وجل وقاولا آمنا بما جاء به يونس فرحمهم ربهم فاستجاب دعاءهم وكشف عنهم العذاب بعد ما أضلهم وذلك ويوم عاشوراء وكان يونس قد خرج فأقام ينتظر العذاب وهلاك قومه فلم ير شيئا وكان من كذب ولم يكن له بينة قتل فقال يونس كيف أرجع إلى قومي وقد كذبتهم فانطلق عاتبا على ربه مغاضبا لقومه فأتى البحر فإذا قوم يركبون سفينة فعرفوه فحملوه بغير أجر فلما دخلها وتوسطت بهم ولججت ووقفت السفينة لا ترجع ولا تتقدم قال أهل السفينة إن لسفينتنا لشأنا قال يونس قدج عرفت شأنها ركبها رجل ذو خطيئة عظيمة قالوا ومن هو قال أنا اقذفوني في البحر قالوا ما كنا لنطرحك من بيننا حتى نعذر في شأنك واستهموا فاقترعوا ثلاث مرات فأحض سهمه والحوت عند رجل السفينة فاغرا فاهينتظر أمر به فيه فقال يونس إنكم والله لتهلكن جميعا ولتطرحنني فيه فقذفوه فيه وانطلقوا وأخذه الحوت وروي أن الله تعالى أوحى إلى حوت عظيم حتى قصد السفينة فلما رآه أهل السفينة مثل الجبل العظيم وقد فغر فاه ينظر إلى من في السفينة كأنه يطلب شيئا خافوا منه ولما رآه يونس زج نفسه في الماء وعن ابن عباس أنه خرج مغاضبا لقومه فأتى بحر الورم فإذا سفينة مشحونة فركبها فلما لججت السفينة تكفأت حتى كادوا أن يغرقا فقال الملاحون ههنا رجل عاص أو عبد آبق وهكذا رسم السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري ومن رسمنا أ نقترع في مثل هذا فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في البحر ولأن يغرق واحد خير من أن تغرق السفينة لما فيها فاقترعوا ثلاث مرات فوقعت القرعة في كلها على يونس فقال يونس أنا الرجل العاصي والعبد الآبق فألقى نفسه في الماء فابتلعه حوت ثم جاء حوت آخر أكبر منه وابتلع هذا الحوت وأوحى الله إلى الحوت لا تؤذي منه شعرة فإني جعلت بطنك سجنه ولم أجعله طعاما لك
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»