من السلف. وروى ابن القاسم عن مالك: " أن الدية المغلظة في الرجل يحذف ابنه بالسيف فيقتله فتكون عليه الدية مغلظة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهي حالة " قال: " والجد إذا قتل ولد ولده على هذا الوجه مثل الأب، فإن قطع يد الولد وعاش ففيه نصف الدية مغلظة "، وقال مالك: " تغلظ على أهل الورق والذهب أيضا، وهو أن ينظر إلى قيمة الثلاثين من الحقة والثلاثين من الجذعة والأربعين من الخلفة فيعرف كم قيمتهن، ثم ينظر إلى دية الخطأ أخماسا من الأسنان عشرين بنت مخاض وعشرين ابن لبون وعشرين بنات لبون وعشرين حقة وعشرين جذعة، ثم ينظر كم فضل ما بين دية الخطأ والدية المغلظة فيزاد في الرقة على قدر ذلك " قال: " وهو على قدر الزيادة والنقصان في سائر الأزمان، وإن صارت دية التغليظ ضعفي دية الخطأ زيد عليه من الورق بقدر ذلك ". وقال الثوري في دية شبه العمد من الورق: " يزاد عليها بقدر ما بين دية الخطأ إلى دية شبه العمد في أسنان الإبل " نحو ما قال مالك، وهو قول الحسن بن صالح.
قال أبو بكر: لما ثبت أن دية الخطأ أخماس بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وبما قدمنا من الحجاج، ثم اختلفوا في شبه العمد فجعله بعضهم أرباعا وبعضهم أثلاثا، كان قول من قال بالأرباع أولى، لأن في الأثلاث زيادة تغليظ لم تقم عليها دلالة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الدية مائة من الإبل " يوجب جواز الكل، والتغليظ بالأرباع متفق عليه، والزيادة عليها غير ثابتة، فظاهر الخبر ينفيها فلم نثبتها. وأيضا فإن في إثبات الخلفات - وهي الحوامل - إثبات زيادة عدد فلا يجوز، لأنها تصير أكثر من مائة لأجل الأولاد.
فإن قيل: في حديث القاسم بن ربيعة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: " في قتيل خطأ العمد مائة من الإبل أربعون منها خلفة في بطونها أولادها " وقد احتججتم به في إثبات شبه العمد، فهلا أثبتم الأسنان! قيل له: أثبتنا به شبه العمد لاستعمال الصحابة إياه في إثبات شبه العمد، ولو كان ذلك ثابتا لكان مشهورا، ولو كان كذلك لما اختلفوا فيه كما لم يختلفوا في إثبات شبه العمد، وليس يمتنع أن يشتمل خبر على معان فيثبت بعضها ولا يثبت بعض إما لأنه غير ثابت في الأصل أو لأنه منسوخ، وأما التغليظ في الورق والذهب فإنه لا يخلو أصل الدية من أن يكون واجبا من الإبل وأن الورق والذهب مأخوذان عنها على أنهما قيمة لها، أو أن تكون الدية في الأصل واجبة في أحد الأصناف الثلاثة من الدراهم والدنانير والإبل، لا على أن بعضها بدل من بعض، فإن كانت الإبل هي الدية وإنما تؤخذ الدراهم والدنانير بدلا منها، فلا اعتبار بما ذكره مالك من إيجاب فضل ما بين دية الخطأ إلى الدية المغلظة، وإنما الواجب أن يقال إن عليه قيمة الإبل على أسنان