أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣١٦
الفقير عن جابر قال: " صلاة الخوف ركعة ركعة ". وروى عن مجاهد أنه قصر العدد من أربع إلى ثنتين. وروى ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال: قال: " قصرها في الخوف والقتال والصلاة في كل حال راكبا وماشيا، فأما صلاة النبي عليه السلام وصلاة الناس في السفر ركعتين فليس بقصر ". وروي عن ابن عباس رواية أخرى غير ما قدمنا في القصر، وهي أنه قال: " إنما هو قصر حدود الصلاة وأن تكبر وتخفض رأسك وتومىء إيماء ".
قال أبو بكر: وأولى المعاني وأشبهها بظاهر الآية ما روي عن ابن عباس وطاوس في أنه قصر في صفة الصلاة بترك الركوع والسجود إلى الإيماء وترك القيام إلى الركوب، وجائز أن يسمى المشي في الصلاة قصرا إذ كان مثله في غير الخوف يفسدها. وما روي عن ابن عباس وجابر في أن صلاة الخوف ركعة فمحمول على أن الذي يصليه المأموم مع الإمام ركعة، لأنه يجعل الناس طائفتين فيصلي بالتي معه ركعة ثم يمضون إلى تجاه العدو ثم تأتي الطائفة الثانية فيصلي بها ركعة ويسلم بتلك، فيصير لكل طائفة من المأمومين ركعة ركعة مع الإمام ثم يقضون ركعة ركعة، فيكون ما روي عن ابن عباس في أنه قصر في صفة الصلاة غير مخالف لقوله إن صلاة الخوف ركعة، لأن الآثار قد تواترت في فعل النبي عليه السلام لصلاة الخوف مع اختلافها، وكلها موجبة للركعتين وليس في شئ منها أنه صلاها ركعة، إلا أنها لكل طائفة ركعة مع الإمام والقضاء لركعة دون الاقتصار على واحدة. ولو كانت صلاة الخوف ركعة واحدة لما اختلف حكم النبي عليه السلام وحكم المأمومين فيها، فلما نقل ابن عباس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، علمنا أن فرض صلاة الخائف كفرض غيره وأن ما روي من أنه كان للقوم ركعة ركعة على معنى أنها كانت ركعة ركعة مع النبي عليه السلام وأنهم قضوا ركعة ركعة على ما روي في سائر الأخبار. والدليل على أن القصر المذكور في الآية هو القصر في صفة الصلاة أو المشي والاختلاف فيها على النحو الذي قدمنا ذكره دون أعداد ركعاتها وأن مذهب ابن عباس في القصر ما وصفنا دون نقصان عدد الركعات، ما روى مجاهد أن رجلا جاء إلى ابن عباس فقال: إني وصاحب لي خرجنا في سفر فكنت أتم وكان صاحبي يقصر، فقال ابن عباس:
أنت الذي تقصر وصاحبك الذي كان يتم. فأخبر ابن عباس أن القصر ليس في عدد الركعات، وأن الركعتين في السفر ليستا بقصر. ويدل على ذلك ما روى سفيان عن زبير اليامي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر قال: " صلاة السفر ركعتان وصلاة الفطر والأضحى ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم عليه السلام "، وقد دخل في ذلك صلاة الخوف في السفر، لأنه ذكر جميع هذه الصلوات وأخبر أنها تمام غير قصر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، فثبت بذلك أن القصر المذكور في الآية هو على ما وصفنا دون أعداد ركعات الصلاة.
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»