أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٩١
السكين، فلذلك أوجب النبي صلى الله عليه وسلم قتله. وأيضا روى عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس: " أن يهوديا قتل جارية من الأنصار على حلي لها وألقاها في نهر ورضخ رأسها بالحجارة، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به أن يرجم حتى يموت، فرجم حتى مات ". ولا خلاف أن الرجم لا يجب على وجه القود، وجائز أن يكون اليهودي مستأمنا فقتل الجارية ولحق بأرضه فأخذ وهو حربي لقرب منازلهم من المدينة فقتله على أنه محارب حربي ورجمه، كما سمل أعين العرنيين الذين استاقوا الإبل وقتلوا الراعي وقطع أيديهم وأرجلهم وتركهم حتى ماتوا، ثم نسخ القتل على وجه المثلة.
فصل وأما ما دون النفس فإنه ليس فيه شبه العمد من جهة الآلة، ويجب فيه القصاص بحجر شجه أو بحديد، وفيه شبه العمد من جهة التغليظ إذا تعذر فيه القصاص، وإنما لم يثبت فيما دون النفس شبه العمد لأن الله تعالى قال: (والجرح قصاص) [المائدة:
45]، وقال: (والحسن بالسن) [المائدة: 45]، ولم يفرق بين وقوعها بحديد أو غيره.
والأثر إنما ورد في إثبات خطأ العمد في القتل، وذلك اسم شرعي لا يجوز إثباته إلا من طريق التوقيف، ولم يرد فيما دون النفس توقيف في شبه العمد فيه، وأثبتوا فيه التغليظ إذا لم يمكن فيه القصاص، لأنه بمنزلة شبه العمد حين كان عمدا في الفعل. وقد روي عن عمر نضر الله وجهه " أنه قضى عل قتادة المدلجي حين حذف ابنه بالسيف فقتله بمائة من الإبل مغلظة "، حين كان عمدا سقط فيه القصاص، كذلك فيما دون النفس إذا كان عمدا قد سقط فيه القصاص إيجاب قسطه من الدية مغلظا، ومع ذلك فلا نعلم خلافا بين الفقهاء في إيجاب القصاص في الجراحات التي يمكن القصاص فيها بأي شئ جرح.
قال أبو بكر: قد ذكرنا الخطأ وشبه العمد وبينا العمد في سورة البقرة، والله أعلم.
باب مبلغ الدية من الإبل قد تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بمقدار الدية وأنها مائة من الإبل، فمنها حديث سهل بن أبي حثمة في القتيل الموجود بخيبر وأن النبي صلى الله عليه وسلم وداه بمائة من الإبل. وروى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقال: " ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا فيه الدية مغلظة مائة من الإبل أربعون خلفة في بطونها أولادها ". وفي كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وفي النفس مائة من الإبل ". وروى عمرو بن دينار عن طاوس قال:
" فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم دية الخطأ مائه من الإبل ". وذكر علي بن موسى القمي قال: حدثنا
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»