أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٨٩
وقد روى أبو معاوية عن حجاج عن قتادة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" قتيل السوط والعصا شبه العمد ". وإثبات شبه العمد ضربا من القتل دون الخطأ فيه اتفاق السلف عندنا لا خلاف بينهم فيه، وإنما الاختلاف بينهم في كيفية شبه العمد، فأما أن يقول مالك: " لا أعرف إلا خطأ أو عمدا " فإن هذا قول خارج عن أقاويل السلف كلهم.
وروى شريك عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال: " شبه العمد بالعصا والحجر الثقيل وليس فيهما قود ". وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: " يعمد أحدكم فيضرب أخاه بمثل آكلة اللحم - وهي العصا - ثم يقول لا قود علي! لا أوتى بأحد فعل ذلك إلا أقدته "، فكان هذا عنده من العمد، لأن مثله يقتل في الغالب على ما قال أبو يوسف ومحمد.
ومما يبين إجماع الصحابة على شبه العمد وأنه قسم ثالث ليس بعمد محض ولا خطأ محض اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسنان الإبل في الخطأ، ثم اختلافهم في أسنان شبه العمد وأنها أغلظ من الخطأ، منهم علي وعمر وعبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وأبو موسى والمغيرة بن شعبة، كل هؤلاء أثبت أسنان الإبل في شبه العمد أغلظ منها في الخطأ على ما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى، فثبت بذلك شبه العمد. ولما ثبت شبه العمد بما قدمنا من الآثار واتفاق السلف بعد اختلاف منهم في كيفيته، احتجنا أن نعتبر شبه العمد، فوجدنا عليا قال: " شبه العمد بالعصا والحجر العظيم " ومعلوم أن شبه العمد اسم شرعي لا سبيل إلى إثباته إلا من جهة التوقيف، إذ ليس في اللغة هذا الاسم لضرب من القتل، فعلمنا أن عليا لم يسم القتل بالحجر العظيم شبه العمد إلا توقيفا، ولم يذكر الحجر العظيم إلا والصغير والكبير متساويان عنده في سقوط القود به. ويدل عليه ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا المعمري قال:
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الرقي قال: حدثنا ابن المبارك عن سليمان التيمي وخالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها "، فقد حوى هذا الخبر معاني: منها إثباته قتيل خطأ العمد قسما غير العمد وغير الخطأ وهو شبه العمد، ومنها إيجابه الدية في قتيل السوط والعصا من غير فرق بين ما يقتل مثله وبين مالا يقتل مثله وبين من يوالي الضرب حتى يقتله وبين من يقتل بضربة واحدة، ومنها أنه جمع بين السوط والعصا والسوط لا يقتل مثله في الغالب والعصا يقتل مثلها في الأكثر، فدل على وجوب التسوية بين ما يقتل وبين ما لا يقتل. وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا عقبة بن مكرم
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»